مسلسل ريك ومورتي.. ماذا نملك غير الضحك؟

مسلسل ريك ومورتي.. ماذا نملك غير الضحك؟

10 أكتوبر 2017
+ الخط -

لم يكن العالم إلا نكتة كبيرة بالنسبة لنا نحن أطفال جيل التسعينيات وأوائل الألفية –الواعين ثقافيًا. لم تكن ثقافتنا أصيلة طبعًا، وهذا لأن ما بعد الحداثيين كانوا قد حاصروا سوق السخرية لعقود قبل أن نأتي، وعلى عكسنا كان لديهم في الواقع ما يقولونه. لكن تمت إزالتنا من "العصر بعد ما بعد الحداثي" الذي يقوده ديفيد فوستر والاس. لقد نشأنا في عصر امتهان العلم. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل من سلسل ريك ومورتي من إنتاج Adults Swim يبدو عظيمًا ومهمًا، حيث يمكن النظر إليِهِ على أنه يفتح مسارًا جديدًا لأبناء الألفية ليعبروا فيهِ عن سخريتهم وعاطفتهم الجيّاشة.

طبعًا، لن يعرف المراقب أي شيء عن المسلسل عن طريق قراءة المراجعات المكتوبة عنه، والتي عادة ما تركز على بعض الأسطر المضحكة في السيناريو وعلى الحس الفكاهي الغريب. تشترك معظم الحلقات بحضور ريك سانشيز، وهو عالم غريب وموهوب، وحفيده مورتي ذو الـ 14 عامًا (يقوم جاستن رويلاند بالأداء الصوتي لكلا الشخصيتين) في الكثير من مغامرات الخيال العلمي المجنونة. ففي إحدى الحلقات، تجدهم يتمددون على الأريكة ويتنقلون بين قنوات غريبة ومضحكة في تلفزيونٍ ينقل الأخبار من عدة أكوان.

في حلقة أخرى، يدمر ريك ومورتي الكون عن طريق جرعة حب تم توليفها على عجل وتحول كل من يصاب بها إلى حشرات عملاقة، يسميها ريك "كروننبرغس"، إشارة إلى مخلوقات شريرة اشتهرت بها أفلام المخرج ديفيد كروننبرغ.

 

لكن بشكل أو بآخر، يبقى المسلسل ضمن تصنيف مسلسلات كوميديا الموقف. وبناء الحلقة لعرضها لمدة نصف ساعة يذكرنا مباشرةً بمسلسل عائلة سمبسون. يركّز المسلسل في سيرورتهِ على عائلة أميركية من الطبقة الوسطى تعيش في الضواحي ويناقش الكثير من القضايا المعتادة، مثل: دراما الثانوية العامة والمتاعب المصاحبة لتربية الأطفال وضغوط العمل (أو البطالة) والتنافس بين الأخوة وتعقيدات الزواج المضطرب. قد يكون ريك عبقريًا، لكنه وغد مخمور معتد بنفسهِ جدًا وليس عنده أي حس لباقة، ويتعامل مع مشاكل أسرته بلا مبالاة عالية.

وتقريبًا كل شيء يصرخ بهِ ريك في وجه عائلته في ما بين الحلقات، يكون حزينًا وصحيحًا في نفس الوقت، ومع ذلك تجدنا نحن –المشاهدين– نضحك. هل بإمكاننا فعل أي شيء آخر؟

نجد خلال عرض المسلسل أن الموت والدمار يخيّمان عليهِ، ما يضفي هذا الشيء كثيمة رئيسية له. حيث نرى أن الرعب في الظلام والشيء المختبئ وراء حافة ماكينة الحلاقة وينتظر غياب الضوء، كأجزاء رئيسية في هوية المسلسل تمامًا كما عبقرية ريك الخلابة. استطاع رويلاند وهارمون (منتجا المسلسل) أن يخيطوا الرعب الكوني بشكل تفصيليٍ متقنٍ في نسيج ريك ومورتي.

يدين مسلسل ريك ومورتي بالكثير للكاتب الأميركي هوارد فيليبس لوفكرافت . فمنتجا المسلسل كرّما المؤلف الأكثر شهرة في أدب الرعب عن طريق إحياء وحش شبيهٍ بوحشهِ "الكثولهو"  والذي يظهر في تتر بداية العرض. وخلافًا للوفكرافت الذي اعتاد أن يثير الرعب الوجودي من خلال وحوشهِ العدمية الجديدة، فإن ريك ومورتي حاربوا هذه الوحوش بإنسانية عميقة. في الحلقة التاسعة من الموسم الأول، على سبيل المثال، يواجه ريك رجلًا يدعى السيد نيدفول Needful، الذي يكتشف ريك لاحقًا أنه شيطان حقيقي (قام بأدائه الصوتي ألفريد مولينا).

يفتح نيدفول متجرًا مليئًا بالتحف الغامضة والتي يعد بأن لها فوائد كبيرة، ولكن هذه الفائدة تأتي بتكلفة غير معروفة. هناك مثلًا جرعة حب، ولكنها تجعل مستخدمها ضعيفًا جنسيًا وكريم للوجه يجعل مستخدمه جميلًا، لكنه في نفس الوقت يفقده البصر، ومجهر يجعل مستخدمه معاقًا عقليًا. وباستخدام قوة العلم، يبني ريك جهازًا يقوم بتحديد وإلغاء لعنات نيدفول. وبهذا الحركة يكون ريك قد حيّد رعبًا وأنقذ الناس منه وأكد على قوة العلم في مواجهة "السحر"، وأكد أن الحقيقة تغلب الخديعة دائمًا.

 

هناك سبب آخر دفع ريك للانخراط مع نيدفول، وهو أن له حفيدة أخرى في سن المراهقة اسمها سمر (قامت بأدائها الصوتي سبنسر غرامر)، وقد حصلت على وظيفة في متجر نيدفول للتحف. عداؤه مع نيدفول كان بمثابة الحجة المثالية ليقضي بعض الوقت مع حفيدته. وبعدما غلب ريك عدوه نيدفول بالعلم، صار لديه وحفيدته المزيد من الوقت ليقضوه في نادي اللياقة وبناء الأجسام قبل أن يذهبوا لضرب المزيد من مجموعات الأشرار مثل نازي جديد أو صاحب محل حيوانات أليفة مسيء، أو أحد أعضاء كنيسة ويستبورو المعمدانية.

غالبًا ما يتم إخراج شخصية ريك على أنها شخصية أنانية، ليتمكن العرض من إثبات عكس ذلك في النهاية. فعلى مستوى الحلقة، يعطي شكّ ريك المستمر بكل شيء وسخريتهِ لشخصيته اللطيفة والمخلصة بعدًا وصدىً إضافيًا. أما على مستوى الموسم، تعمل هذه اللحظات على بناء شخصية ريك في طابع معقد نرتبط به على الرغم من عبقريته غير المتوازنة وسلوكياته السيئة. حتى من الحلقات الأولى، يبدو المسلسل وكأنه يحضرنا لشيء كبير في النهاية. وقد فهمنا هذا من البادرة الكبرى في نهاية الموسم الثاني عندما يقرر ريك التضحية بحريته من أجل سلامة عائلته.

وبغض النظر عن معظم أبناء الأرض، فإن مجرة درب التبانة يحكمها اتحاد المجرة والذي يراه ريك استبداديًا. وكان كوكب الأرض واحدًا من الكواكب القليلة الصالحة للحياة التي لم يضع الاتحاد يده عليها. وكان هذ بفضل ريك الذي قاتل مع فرقة صغيرة من المتمردين لمعظم حياته للمحافظة على الأرض بعيدًا عن حكم الاتحاد. لكن الاتحاد يقوم، لاحقًا، بإعداد كمين لريك في حفل زواجٍ ويجبره وعائلته على الاختباء، وعندها يدرك ريك أن عودة أحبائه لحياتهم الطبيعية الآمنة تتطلب أن يعلن هو استسلامه. في مشهدٍ ختامي استمر لمدة خمس دقائق، يرتب ريك طريقة ليتم اعتقاله فيها في حين تشغيل أغنية Hurt لفرقة Nine Inch Nails في الخلفية (من يعرف الأغنية يدرك مقدار المفارقة).

لحظة عاطفية قطعًا، ولكن ما يفعله رويلاند وهارمون هو أنهم يؤكدون على قيمة المشاعر المحجوبة في "ما بعد الحداثة" اللوفكرافتية المرعبة عن طريق واحدٍ من أكثر الشخصيات الساخرة في تاريخ التلفزيون. يمكننا النظر إلى مسلسل ريك ومورتي على أنه ابن غير شرعي لعلاقة بين ألبير كامو وستيفن سبيلبرغ. أو كما قال الشاعر الشهير تشارلز بلاك، تتقاطع لديهما منحنيات الجدية والإخلاص.

شخصية مورتي عصبية وغبية. يلعب مورتي دور الشخص الطبيعي والنائب عن الجمهور. فهو في الغالب يرد على مخططات ريك المضطربة. ولكن هناك قوة من نوع خاص في دورهِ. ريك في مستوى فكريٍ وعلمي عالٍ ولا تدهشه أعاجيب الكون، أما مورتي، من ناحية أخرى، فإن عقله الضعيف وقلبه الدافئ، يجعلانه فأر تجارب كوني، ويكون مجبرًا على التحديق طويلًا في الهاوية. وما يراه هناك، يكون تحويليًا وذا أثرٍ عميق.

يهرب الثنائي إلى بعد آخر مطابقٍ لعالمهم، عندما يدمّرا العالم بالخطأ عن طريق إطلاق جيش من الكروننبرغس. وقبل أن يكون بإمكانهم الاندماج بسهولة في هذا الواقع البديل واستئناف الحياة الطبيعية، كان لازمًا عليهما أن يتخلصا أولًا من نظرائهم. سَحْب مورتي لجثة نظيره الميت ورميها في قبر ضيقٍ حفره هو بنفسهِ سبَّب لهُ الصدمة. وهو أمر مفهوم طبعًا، ولكنه يعطينا فكرة عن ماذا يحصل لطفل الرابعة عشرة من عمرهِ عند مروره في مثل هذه التجربة.

يقول مورتي لأخته المصدومة: "كل صباح يا سمر، آكل وجبة الإفطار بعيدًا 18 مترًا عن جثتي المتعفنة. لا هدف لوجود أي أحدٍ هنا ولا معنى. لا أحد ينتمي إلى أي مكان. سيموت الجميع في نهاية المطاف. هيا بنا نشاهد التلفاز".

هذا المقطع أعلاه، يذكرنا بمقولة جان بول سارتر في عام 1938 في رواية الغثيان: "كل موجودٍ يولد من دون سبب ويستمر في ضعفٍ ويموت بالصدفة". ولكن، على الرغم من هذه الحقائق القاتمة، إلا أنّ المسلسل يتبنى نهجًا متفائلًا، ويظهر هذا في تصريحات مورتي التي لا تتضمن أبدًا أي شكلٍ من أشكال اليأس. حيث يعمل المسلسل على تعزيز قيمة الحياة ويعطي معنى للأمل.


(النص الأصلي)

المساهمون