محمد عزة دروزة.. في تأريخ فلسطين

محمد عزة دروزة.. في تأريخ فلسطين

21 يونيو 2020
(محمد عزة دروزة)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو، ذكرى ميلاد المؤرخ والكاتب الفلسطيني محمد عزة دروزة (1888- 1984).


يفتتح محمد عزة دروزة مذكّراته الصادرة عام 1982، بالإشارة إلى أن قراءة أيّة مرحلة أو إصدار حكم على حدث أو زعيم يتطلّب تصوّر الظرف التاريخية التي جرت فيها الأحداث ووضعها في الاعتبار، معارضاً إسقاط وجهات نظرنا الراهنة على الماضي، ومراجعته في ضوء معايشتنا لنتائجه.

واظب المؤرخ والكاتب الفلسطيني (1888 – 1984) على تدوين يومياته وملاحظاته لفترة امتدّت منذ انخراطه في الشأن العام عقب إعلان الدستور العثماني سنة 1908، حيث شارك في تأسيس عدد من الأحزاب في إطار مواجهته لسياسات "حزب الاتحاد والترقي" في تتريك السلطنة، ثم التحق بحزب الاستقلال إبان العهد الفيصلي، ليعود بعد احتلال سورية إلى فلسطين ناشطاً في مقاومة الاحتلال الإنكليزي والمخطّطات الصهيونية في الاستيطان.

مثل كثير من الكتابات التي أرّخت لتلك المرحلة التي سبقت النكبة عام 1948، حيث اعتزل دروزة العمل السياسي بعدها، فإنها تخلط بين التحليل والرأي الذي ينطلق غالباً من موقع صاحبها ومواقفه كواحد من الفاعلين بوصفه سياسياً ومسؤولاً (عمِل مديراً للأوقاف الإسلامية بين عاميْ 1933 و1937)، وبين نقده للواقع في سياق موضوعي، لكنها تظل إحدى الوثائق التي تضيء على مرحلة حرجة لا تزال الكثير من أسئلتها بلا إجابات حاسمة لليوم.

وفي الوقت نفسه، تميّز صاحب كتاب "القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها" بسرده الممتع والثري لجوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، خاصة في وصفه لمدينته؛ نابلس، إذ يكتب عن الزراعة والصناعات والبناء والمحلّات التجارية والمساجد والمواسم الدينية والكتاتيب والمدارس، والأحياء والحواري، وحمّامات السوق وأنواع الطعام والحلويات والملابس، مركّزاً على العادات والتقاليد والفوارق والاختلافات بين طبقة وأخرى.

وتُبرز مذكراته أيضاً خوضه في السياسة وتحليله للوقائع من دون تقييمات أو حسابات شخصية، غير ملتفت إلى خصومة، يذكرها دون أن تجد تأثيراً لها في تقديره للخصوم، أو مسائل فرعية لا يراها ذات صلة بالحدث الرئيسي موضع التناول، حريصاً على إعطاء كلّ طرف مشارك فيه قدره ومكانته، لكنه أيضاً يقدّم تعليقات وآراء نقدية حول بعض المحطّات ويغفل أخرى.

يكتب دروزة بأسلوب يجتذب القارئ متنقلاً بين موضوع وآخر بتمكّن يشير إلى إدراكه واطلاعه على المشهد الكلي، وبتنويع في السرد الذي يكتنز بالعديد من الروايات والطرائف والسير التي عايشها أو سمعها أو قرأها، ما يمنحه متعة إضافية، مورداً حادثة زيارة المندوب السامي الإنكليزي لفلسطين هربرت صموئيل إلى مدينة السلط الأردنية في الحادي والعشرين من آب/ أغسطس عام 1920، ووعده بدعم الأردنيين لحكم نفسهم بنفسهم وتنمية اقتصادهم، ليردّ عليهم أحد متهكماً أن سورية ولبنان وفلسطين أرقى من شرقي الأردن لذلك وجب استعمارها، بينما تستقل الأردن لأن لا حظ لها، وذهبت حينها نكتة على لسان الناس، بحسب المذكرات.

عاش صاحب كتاب "من وحي النكبة: صفحات مغلوطة ومهملة من تاريخ القضية الفلسطينية" مخلصاً للعلم والدرس، فحينما اعتقله الفرنسيون عام 1941، وحبسوه في سجن المزّة بدمشق، انكب على دراسة القرآن وحفظه، ووضع في معتقله مسودة ثلاثة كتب، هي: "سيرة الرسول"، و"عصر النبي"، و"الدستور القرآني"، ولما اضطر للجوء إلى تركيا عقب خروجه من السجن، اطلع على مخطوطات مكتبة الآستانة في التفسير والفقه والحديث.

كما أتقن درزوة التركية والفرنسية، وترجم عن الأخيرة رواية "رفائيل" للكاتب ألفونس دو لامارتين، و"دروس في التربية" للمنظر غبرائيل كومبايره، إلى جانب "بواعث الحرب العالمية الأولى في الشرق الأدنى" للمؤرخ جان بيشون، و"دولة الأثنينين" لأرسطو.

كان غزير الإنتاج ترك وراءه عشرات الكتب والمخطوطات منها "الحركة العربية الحديثة"، و"مأساة فلسطين"، و"جهاد الفلسطينيين"، و"تاريخ الجنس العربي في مختلف الأطوار والأدوار والأقطار" (ثمانية أجزاء)، و"العرب والعروبة في حقبة التغلب التركي"، و"الإسلام والاشتراكية"، و"قضية فلسطين والوحدة العربية من وحي النكبة ومعالجتها"، و"قضية الغزو الصهيوني".

دلالات

المساهمون