محمد صلاح.. "كانوا يبحثون عنه"

محمد صلاح.. "كانوا يبحثون عنه"

09 يوليو 2017
(اللاعب المصري محمد صلاح، تصوير: جوستين تاليس)
+ الخط -
في 12 مايو/ أيّار الماضي، كتب أحمد حسام ميدو، لاعب منتخب مصر السابق ومدرّب نادي "وادي دجلة" على حسابه بتويتر: "في رأيي رحيل محمد صلاح عن إيطاليا مخاطرة كبيرة، عليه محاولة البقاء في روما. أو إذا رحل عليه البقاء في إيطاليا".

تلقفت المواقع الرياضية داخل مصر هذا التصريح، وأعادت اجتراره كما تفعل دومًا مع ما يقوله ميدو، رغم أن الكثير من تعليقاته ظهر بعد ذلك عدم منطقيتها بل وسذاجة طرح من يلقبونه بـ "العالمي".

بعد هذا التاريخ بأربعين يوماً، وبتاريخ 22 يونيو/ حزيران، وقع محمد صلاح عقد انتقاله لنادي ليفربول قادمًا من روما بصفقة إجمالية وصلت إلى 50 مليون يورو، ليصبح اللاعب الأغلى في تاريخ ليفربول، والاستغناء الأعلى في تاريخ روما. كما أنه حتى هذه اللحظة هو اللاعب المصري والعربي والأفريقي الأغلى في تاريخ سوق انتقالات اللاعبين. وبدأ المصري الدولي هذا الأسبوع، فترة الإعداد لما قبل الموسم مع ناديه الجديد الذي يقوده الألماني يورغن كلوب.


استمرارية صلاح
أرقام صلاح تُحيل دومًا لاستمرارية إنتاجية ابن الخامسة والعشرين من العمر. سجّل صلاح 19 هدفًا الموسم الماضي مع روما وصنع 11 هدفًا للفريق. وهو بالأرقام أفضل معدّل إنتاجية للاعب منذ بدأ رحلته الاحترافية مع بازل السويسري.

الاستمرارية في تطوير الأداء والمهارات ليست بالشيء الرائج في عقلية المحترفين العرب، خاصّة المصريين. وبالطبع ميدو هو أحد أبرز أمثلة الفشل في الحفاظ على الاستمرارية.

ربّما أحد أفضل الأشياء التي فعلها محمد صلاح، هي أنه لم يكن يعير الكثير من الانتباه لثرثرة من فشل في الحفاظ على مستواه لأكثر من موسم في كل ناد ذهب إليه، ناهيك عن اعتزاله بوصوله الثلاثين في الوقت الذي ظل فيه من بدأوا رحلته معهم كإبراهيموفيتش ودروغبا يمارسون اللعبة في أقوى الدوريات حتى بعد تخطّي الخامسة والثلاثين.

تعامل صلاح بالكثير من الصبر والهدوء مع المشاكل التي حدثت في مشواره الاحترافي. مشاكل كان بعضها بسبب اختيارات لم تكن موفّقة، وبعضها الآخر يعود لطريقة وإمكانيات اللاعب نفسه، تجّلت في محدودية واضحة لانطلاقته الباهتة مع تشلسي في دوري هو الأكثر شراسة بدنيًا في العالم.

"عقلية صلاح تختلف عن أي لاعب مصري"، لم يكن أبو تريكة مبالغًا حين قال هذا التصريح. فمحدودية الإمكانيات لدى اللاعب، والتي ظلّت لفترة ليست بهيّنة، ترتكز على سرعة الانطلاق في المساحات وراء المدافعين، تطوّرت مع انتقاله لـ فيورنتينا وبروزه في دوري معقّد تكتيكيًا. ثم أصبح التطوّر أكثر وضوحًا في روما مع زيادة الفاعلية على المرمى والتقليل من إهدار الفرص، وهي إحدى أكثر المشاكل التي عانى منها اللاعب. ولم يتخلّص منها على النحو الذي يأمله مدربوه، خاصة سباليتي.


ليفربول وكلوب والانتقال الأغلى
بالنظر للأرقام التي تتردّد في سوق الانتقالات الأوروبية، قد يبدو أن رقم 50 مليون يورو لا يستحقّ كل هذا الاحتفاء والصخب الإعلامي. لكن عقلية نادي ليفربول ومدرّبها الألماني تعطي زاوية مغايرة للأمر.

لا يحبّذ النادي أو المدرّب عقد صفقات بمبالغ ضخمة. ويعتمد أكثر على لاعبين مغمورين أو نصف معروفين في بداية مشوارهم الكروي يمكن أن يعطوا مائة بالمائة من مجهودهم للفريق، على لاعبين آخرين يأتون كنجوم دون أن يفيدوا الفريق فعليًا. هذه هي عقلية المدرّب منذ كان مدربًا لناديي ماينز ودورتموند الألمانيين.

"أتابع صلاح منذ كان في بازل. تطوّر كثيرًا الآن. وأرقامه في روما تقول ذلك بوضوح". كان هذا تصريح يورغن كلوب بعد إتمام صفقة صلاح، وهو يقول الكثير حول أن المدرّب لم يغيّر عقليته من أجل ضم محمد صلاح. بل حافظ عليها بإتمام هذه الصفقة التي تابع نضجها وتطوّرها. "مزيج رائع من الشباب والنضج الكروي"، كما يقول أيضًا المدرّب خلال تصريحه.

الكثير من التحليلات تحدّثت عن الطريقة التي يمكن أن يفيد بها صلاح ليفربول، أو كيف يساعد كلوب صلاح على التطوّر أكثر. وهو شيء يعتمد على ظروف وتفاصيل عدّة ستظهر مع بداية الموسم في إنكلترا في شهر آب / أغسطس القادم، لكن الأكيد أن قدوم صلاح لم يكن فعلًا غير متجانس مع فلسفة المدرّب والنادي "إنه النموذج الذي نبحث عنه"، كما قال كلوب مرّة أخرى عن صلاح في أوّل أيّام الإعداد للموسم الجديد.


أوروبا.. وإشكالية العقلية
ثمَّة شيء في طريقة تأقلم صلاح مع نظام العمل في أوروبا ليس من السهل تخطّيه. شيء يُمكن أن يظهر على نحو أوضح باستقدام مثال ميدو مرّة أخرى، حين سُئِل في أحد البرامج عما يختلف فيه عن إبراهيموفيتش ودروغبا فكان رده هو اختلاف العقلية.

فصلاح ليس قادمًا من طبقة عليا أو متوسّطة من المجتمع المصري، بل هو ابن قرية فقيرة كان ينتقل كل يوم بالقطار منها إلى "نادي المقاولون" كي يتدرّب مع ناشئي النادي. لا يزال صلاح أيضًا في النصف الأوّل من مسيرته الكروية. وقد حقّق في الوقت نفسه تقدمًا هائلًا حين تتحدّث عن كونه انتقل لأوروبا منذ ما يقارب الخمس سنوات. وتضاعف رقم انتقاله على نحو مذهل من مليونَي يورو كقيمة انتقال من "المقاولون العرب" إلى بازل، وصولًا إلى 50 مليون يورو أكثر بـ 25 مرة.

مسيرة صلاح يمكن أن تخبرك الكثير عن تأقلم اللاعب مع نظام العيش والعمل في أوروبا. وتخبرك أيضًا بقدرته على اتخاذ قرارات صحيحة في أغلب الأوقات. وعن إنصاته لدائرة محدودة من الأفواه وهو أمرٌ ضروري في كرة القدم. فكلّما اتسعت دائرة من تستشيرهم في خطوات مشوارك الكروي، زادت احتمالية التشتت واتخاذ القرار غير المناسب.

مع هذا، لا معنى من التنبؤ لنجاح أو فشل اللاعب مع ناديه الجديد. لا معنى من أخذ دور "العرَّاف" الذي يحبّه ميدو (الذي يتباهى بمشاكله مع المدرّبين وإدارات الأندية)، ولا معنى أيضًا من الانحياز العنيف للجهة الأخرى والإصرار على أن نجاح صلاح محسومٌ في ليفربول.

لن ينهار العالم لو لم ينجح صلاح مع ليفربول. لن ينهار صلاح أيضًا فهو لم ينجح من قبل مع تشلسي ووجد طريقًا آخر يبدأ فيه مع ناد جديد. ومن الشائع في كرة القدم أن لاعبًا كبيرًا لا ينجح في نادٍ ثم ينفجر في آخر.

سيجد صلاح المكان المناسب، سواء في مرحلة ليفربول أو ما بعدها. فهو ككل اللاعبين المحترفين، يمتلك الثقة المتولّدة من عقلية الاستمرارية في بذل الجهد والعمل والتطوّر.

المساهمون