محجبة في أميركا: لست على التلفاز

محجبة في أميركا: لست على التلفاز

10 نوفمبر 2016
(مارك رالستون)
+ الخط -

آية، طالبة عربية، التحقت أخيرًا بإحدى الجامعات الأميركية لمواصلة دراساتها العليا، وأدركت خلال الأسبوع الأوّل أنها الطالبة الوحيدة التي ترتدي الحجاب، وكانت كل مخاوفها أن تتعرّض للتمييز من طرف زملائها، ما جعلها تميل إلى الانطواء.

في أحد الأيّام وخلال وجبة الغداء، تبادلت آية أطراف الحديث مع الطلاب الجالسين إلى طاولتها في مقهى الجامعة، لكن الطلاب لم يأبهوا لها، وبدوا أكثر اهتمامًا بالحديث مع زملائهم الأميركيين، فبرّرت ذلك الفتور بأنه يعود إلى أنها مسلمة محجبة.

استمرّ قلق وخوف آية من وحدتها، وألا تستطيع التأقلم مع عالمها الجديد، ولكن بعد أسبوعين فقط، تعرّفت آية إلى زميلة عربية غير مسلمة، تدرس في طور آخر بالجامعة.

مرّة، قدّمَت رفيقتها الجديدة إليها زميلًا على أساس أن يتعارفا، بادلها الوافد الجديد التحيّة ومدّ يده لمصافحتها، وفجأة بدا وكأنه استدرك شيئًا وسحب يده، وقفت آية مرتبكة في لحظة مليئة بالتوتّر، فابتسمت زميلة آية وأخبرته بأن المصافحة مسموحة، فقال معتذرًا: "آسف، لم أكن أعرف ما هو مسموح به عندكم، وكيف يمكن أن ألقي التحيّة".

قصّة آية، تُسلّط الضوء على حالة جهل كثير من الأميركيين بالمسلمين الذين يعيشون بينهم. وهذا لا يعني أن العنصرية والتمييز غير موجودين في أميركا، لكن الكثير من التصرّفات التي قد تبدو عنصرية، هي وليدة الجهل بالآخر وليس العنصرية بحد ذاتها.

في أميركا، وخصوصًا بعد أزمة اللاجئين في العالم، وفي زمن "داعش" وترامب، الذي يهاجم المسلمين، الكثير من الناس هنا لا يعرفون عن العرب والمسلمين إلا ما يصلهم عن طريق وسائل الإعلام.

المشكلة مع آية لم تكن الحجاب، ولكن هي أن الطالب الأميركي لا يعلم ما هو مسموح به في التعامل مع فتاة محجبة وما هو غير مسموح، لأنه غير معتاد على ذلك من جهة، وعلى الأرجح أنه كان خائفًا من أن تصدر منه إهانة أو سوء فهم من الآخر، فكثير منهم يقعون ضحايا للجهل وللتشويه الإعلامي.

المفاهيم التي يراها الأميركي عن المرأة المسلمة والعربية، تقتصر على التغطية الإعلامية المشوّهة عن المرأة في المنطقة العربية، سواء كان في القنوات الإعلامية أو مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تكاد تخرج صورة المرأة العربية والمسلمة عن هذا التشويه في المواضيع المطروحة من خلال هذه الشبكات.

فعلى سبيل المثال، يتداول روّاد الشبكة العنكبوتية كثيرًا حملات تدعم حق المرأة السعودية بقيادة السيارة، أو حملة دعم حق المرأة الإيرانية في اختيار ارتداء الحجاب أو تركه، لا أن يكون مفروضًا عليها قانونياً، أضف إلى ذلك المشاهد التي يسوّقها "داعش" عن انتشار الرقيق الأبيض، في مقابل ذلك تدعو هذه المجموعات الإرهابية إلى نشر الإسلام وفق قالبها أمام ردّة فعل العالم الغربي من ذلك، فتكون النتيجة صورة محدودة لا تخرج من إطار التسويق الإعلامي عن المرأة العربية والمسلمة، هي صورة تخيف المواطن الأميركي، وتبعده عن التعامل مع امرأة محجّبة.

طبعا المشاكل التي تعاني منها المرأة العربية هي مشاكل حقيقية، لكن هذه الصورة لا تعبّر بشكل منصف ومتكامل عن تجربتها ولا عن وضع المرأة العربية والمسلمة.

قد يبدو الموقف أعلاه عنصريًا لكنه وليد الجهل، فمن جهة يعاني المجتمع من تشويه إعلامي حاد، ومن جهة أخرى هناك فجوة اجتماعية وثقافية بين الثقافتين الأميركية والعربية، نتيجة قلّة الاحتكاك بين الطرفين.

هذه الفجوة وليدة عوامل كثيرة؛ منها أن نسبة العرب المسلمين في أميركا ضئيلة مقارنة بالأقليّات الأخرى، فهي لا تتجاوز نسبة 1%، مقارنة بـ20% يمثلها مهاجرون من أميركا الجنوبية، ومع ذلك ما يروّج عنهم أكبر من أن يستطيعوا معه الدفاع عن أنفسهم وتبرير موقفهم.

في أميركا، يعانق الزملاء بعضهم بعضاً للتحية، وتركيبة المجتمع في حدّ ذاتها تسمح لهم بالحديث عن أي شيء، لأن حرّية التعبير بالنسبة لهم ليست فقط مفهومًا اجتماعيًا، وإنّما هي مفهوم قانوني موثّق في المادة الأولى من ميثاق الحقوق في الدستور الأميركي.

الدستور نفسه يضمن المساواة بين المرأة والرجل ويحمي حقوق الجنسين، عندما تكون هذه المفاهيم أساس المجتمع، يقع الطالب الأميركي ضحية التشويه الإعلامي وحتى السينمائي الذي يقدم المرأة بطريقة استشراقية، فيشعر بالجهل حيال المسموح به والممنوع في التعامل مع المسلمين، وربّما تكون قصة آية، المرأة المسلمة التي لا تتوافق مع صورة الإعلام الأميركي عن امرأة محجبة، مربكة للطلاب الأميركيين وتدفعهم لمواجهة هذا الجهل والاعتراف به رغم القلق المتبادل بين الطرفين.

المساهمون