مجيد مجيدي: اعتقدتُ أنك لن تأتي

مجيد مجيدي: اعتقدتُ أنك لن تأتي

10 مايو 2015
لقطة من "لون الفردوس"
+ الخط -

درَج في الموجة الجديدة للسينما الإيرانية أن يكون أبطال أفلامها أطفالاً. اشترك مخرجو الجيل المؤسّس في إدخال الطفل إلى سينما الكبار ليتقلَّد أدوار البطولة؛ وأمثلة ذلك "أين منزل الصديق" لعباس كريستامي، "الراكض" لأمير نادري، إضافةً إلى مجمل نتاج مجيد مجيدي، الذي أثار الجدل مؤخراً بعد أن انتهى من "محمّد"؛ فيلمه الذي يتناول شخصية النبي (دون إظهار وجهه)، والذي انهمك سبعة أعوام في إخراجه "دفاعاً عن صورة الإسلام".

مجيدي هو أحد أكثر المخرجين الذين تبنّوا الطفل/ الممثل في أعمالهم، وربما يكون "لون الفردوس" أهم أفلامه التي أخرجها.

نعرفُ أنّ محمّداً الشخصيةَ الرئيسة والضريرة، في "لون الفردوس" أدّاها طفل كفيف البصر فعلاً. صيغت هذه الشخصيّة صياغة دقيقة ومكثّفة، فكانت اختزالاً لمشاعر متجانسة تمّ جمعها داخل جسم الصبي المُعدّ من تلقاء نفسه للدور.

في الأرياف، ناورت وعملت كاميرات مجيدي، حيث المؤثّرات التي أنمت خبرات السمع واللمس لدى محمّد العائد في إجازة الصيف من مدرسة للمكفوفين في طهران. نسمع الهواء يصفّر بين أوراق الغابة، زمجرة حيوانات ضارية لا مرئيّة، طَرَقات نقّار الخشب. يُظهر محمّد موهبة في المشهد الأوّل؛ إذ يهتدي بسمعه إلى حيث سقط فرخ في حديقة المدرسة ويدرك أنّ هرة تتربّص به، فيتسلّق شجرة والفرخ في جيب قميصه، ويردّه إلى عشّه.

في مشهد آخر، يصل والد الفتى متأخّراً جداً عن موعد الرجوع به إلى بيتهم في الريف، لقضاء العطلة الطويلة، فيرى طفلَه وحيداً في الممشى، ويفكّر أن يبقيه أثناء العطلة أيضاً داخل سور المدرسة، وحين يقبض الطفل على يدي أبيه وينشج: "اعتقدت أنّك لن تأتي"، يبكي والده سرّاً. يحسب محمد أنَّ الجميع قادر على الاستغناء عنه، وهو محق بنسبة ما في ظنّه بأبيه.

في الحيّز الإنساني الحائر، يعقد مجيدي محور فيلمه؛ محنةُ الطفل الكفيف، وشعورُ الأب بإعاقة طفله مصدر عثراته وانغلاق سبُله، وما يتطوّر عن ذلك لاحقاً. قارئ الرواية الإيرانية الحديثة يتذكّرُ أمامَ هذا الفيلم الصراعات الداخلية لشخصيّات رواية صادق هدايت، على أنَّ المعالجة السينمائية للسيناريو ميّالة إلى الشعرية.

كما أرادَ مجيدي أن يشرحَ بالكاميرا التكوين التضاريسي للمناطق التي يصوّرها عبرَ اللقطات المأخوذة من بعيد، في حين كانت اللقطات القريبة جدّاً لتشريح الوجوه، فلطالما اقتربت العدسةُ من الوجوه المنتقاة بعناية لأبطال الفيلم. إنها الوجوه التي يتفحصها الفتى الضرير بأنامله في حقل القمح الذي تتخلله الأزهار، حيث يمنح محمّد جدّته وأختيه هداياه: بُكلة شَعر ملوّنة لجدّته، أساور وقلائد خفيفة وبطاقات معايدة لأختيه.

يُدفع بالطفل إلى منجَر يديره رجل ضرير وحيداً ليتعلم منه، بينما يستأنف الأب مساعيه للزواج من إحدى مطلّقات القرية. يمسك النجّار اليدين الغضّتين، ويقول إنّهما ستتعلّمان الكثير، فيسقط دمع محمد ويبلل يد المعلّم. التشريح سمةُ كاميرا الفيلم؛ طالما أنها ترصد المشاعر والهواجس من وراء الملامح. تمرض الجدّة بعد أن تخاصم ابنها؛ كيف اقتاد حفيدَها عنوة خارج البيت. يفيق محمّد في وقت متأخّر من الليل، الرعود في الخارج والغيوم، الجدّة في فراشها ترى طيفه، فتبتسم ويغمرها النور.

وفي طريق العودة إلى البيت يتحطّم الجسر فوق النهر الصاخب، فيهوي محمّد والحصان في الماء، ليحتكم الأب إلى قلبه للحظات ويختار أن يجرفه النهر خلف ابنه. كان الحسم عاطفيّاً. على الضفة، حيث حمله النهر، يعثر الأب على محمّد ملقى بين جذوع جرفتها المياه، فيضمّه إليه باكياً، أصابع يد الطفل تتحرك بالتدريج وتتمطّى خلف ظهر أبيه في خاتمة وصفت بأنها "واحدة من أفضل نهايات الأفلام في تاريخ السينما".

دلالات

المساهمون