ليبيا: اتصالات أممية تمهيداً لجولة جديدة من المحادثات العسكرية

ليبيا: اتصالات أممية مع مجموعات مسلحة تمهيداً لجولة جديدة من المحادثات العسكرية

02 يوليو 2020
استقرت جبهات القتال عند مناطق الجفرة – سرت (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

يشهد الملف الليبي المتأزم عودة حثيثة للجهود الأممية من أجل الدفع به إلى طاولة المفاوضات العسكرية والسياسية، بعد أن استقرت جبهات القتال عند مناطق الجفرة – سرت، وسط البلاد، في الوقت الذي تستعدّ فيه البعثة الأممية في ليبيا لإجراء اتصالات مباشرة بالمجموعات المسلّحة التابعة لطرفي القتال بشكل مباشر.

وأجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الأربعاء، اتصالاً هاتفياً برئيس المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق" فايز السراج، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، لبحث مستجدات الأوضاع في ليبيا.

وبحسب المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، فإن غوتيريس أكد للسراج حرص الأمم المتحدة على الإسراع في تعيين مبعوث جديد للبعثة الأممية لاستئناف العملية السياسية.

من جانبه، شدد السراج على ضرورة تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة الليبية بشكل مختلف، بعد إجهاض حفتر كلّ دعوات السلام والحل السياسي، مؤكداً أن "حكومة الوفاق" لا يمكنها "اعتبار هذا المجرم شريكاً سياسياً وإضفاء الشرعية عليه بعد اليوم"، في الوقت الذي رحب فيه بالجهود التي تسعى لإيجاد نخب جديدة تشارك في الحوارات السياسية، خصوصا من الشرق الليبي.

وعلى صعيد متصل، أفاد مركز أخبار الأمم المتحدة، عبر موقعه الرسمي، بأن غوتيريس أكد لحفتر استحالة الحلّ العسكري في ليبيا، وأن الحل يجب أن يكون سياسياً فقط، وأن يكون بإرادة وبقيادة ليبية.

وبحسب ما صرح المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك خلال مؤتمر صحافي أمس الأربعاء، فقد أكد غوتيريس لحفتر، خلال اتصال هاتفي، التزام الأمم المتحدة الكامل بالحوار ضمن اللجنة العسكرية المشتركة "5+5".

وأبلغ الأمين العام حفتر أيضاً بالتزامه بالمساعدة في إيجاد حلّ لإعادة فتح منشآت النفط المقفولة في ليبيا، بحسب ما نشر مركز أخبار الأمم المتحدة عبر موقعه الرسمي.

وأكد دوجاريك أن الوسطاء، سواء كانت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز أم الأمين العام نفسه، بحاجة للتحدث إلى الأطراف الفاعلة على الأرض، مضيفاً أن هذا التواصل المباشر مع الأطراف على الأرض "لا يمنحهم أي نوع من الوضع القانوني، ولكن إذا كنت ستصنع السلام، فسيتعيّن عليك التحدث مع أولئك الذين يشنّون الحرب".

وفي الصدد، قالت مصادر ليبية متطابقة إن الاتصالات التي ستجريها البعثة الأممية مع المجموعات المسلحة من طرفي النزاع، ستهدف للتحضير إلى جولة جديدة من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 لبحث خطط ومقترحات، من بينها تثبيت نقاط التماس بين الطرفين، والبدء بتشكيل جهاز أمني ليبي موحد.

وأفادت المصادر في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن المقترح الرئيس يتمثل في الاتفاق على بناء جهاز أمني موحد، مؤلف من فصائل عسكرية نظامية من الطرفين، يتولى مهام أمنية من بينها تأمين "حقول النفط"، مشيرة إلى أن المقترح جاء بعد رفض مقترح أوروبي بشأن نشر قوات حفظ سلام أممية في مناطق النزاع، لا سيما حول المنشآت النفطية.

وجاء الرفص، بحسب المصادر، من دول إقليمية عدة مجاورة لليبيا، مشيرة إلى أن الجهاز الأمني الذي ستتضمنه محادثات اللجنة العسكرية المشتركة المقبلة سيتولى الإشراف عليه مجلس الأمن القومي المقترح سابقاً في اتفاق الصخيرات الموقع عام 2015، وتتألف عضويته من عناصر أمنية وعسكرية من الطرفين.

وسرّبت وسائل إعلام ليبية، أول من أمس الثلاثاء، مقترحاً مقدماً من رئاسة أركان العاصمة، التابعة لـ"حكومة الوفاق"، لرئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، لإنشاء جهاز أمني جديد يحمل اسم "الحرس الوطني"، يضم "القوات المساندة"، ويتولى إمرته ضابط لا تقل رتبته عن رتبة عقيد.

ويلفت الباحث السياسي الليبي، بلقاسم كشادة، إلى خطابات وبيانات وزير الداخلية بـ"حكومة الوفاق" فتحي باشاغا، أخيراً، بشأن عزمه العمل على خطط لتفكيك المليشيات، معتبراً أنها تسير في ذات الاتجاه لتكوين قوة أمنية نظامية تابعة للحكومة، من شأنها الانخراط في مشروع تأليف القوة الأمنية المشتركة التي ستنبثق عن محادثات اللجنة العسكرية.

وسبق أن شددت السفارة الأميركية، في بيانات سابقة عدة، على ضرورة تفكيك المليشيات كإحدى الخطوات في طريق حلّ الأزمة في ليبيا، آخرها خلال لقاء باشاغا بوفد أميركي رفيع المستوى، الأربعاء الماضي، ناقش رؤية أميركية بشأن حلّ جميع المليشيات شرقاً وغرباً وتسريحها.

وقالت الخارجية الأميركية، في بيان الجمعة الماضية، إن انتهاء حصار طرابلس قد خلق فرصة متجددة وحتمية لمعالجة المليشيات، مشيرةً إلى أهمية خلق قوة أمنية فاعلة وخاضعة للمساءلة، خالية من الأخطار التي تشكلها المليشيات والجماعات المسلحة والمقاتلون الأجانب، والتي تحاول إفساد الحياة السياسية.

كما أشار بيان الوزارة إلى أن الوفد الأميركي سيعقد اجتماعاً مماثلاً مع ممثلي حفتر بالمنطقة الشرقية، وذلك في إطار تواصل الولايات المتحدة مع جميع الأطراف في ليبيا، وفق البيان.

شددت السفارة الأميركية، في بيانات سابقة عدة، على ضرورة تفكيك المليشيات كإحدى الخطوات في طريق حلّ الأزمة في ليبيا

وبينما كشفت الحملة العسكرية التي قادها حفتر على طرابلس، طيلة أكثر من عام، عن اعتماده على فصائل مسلحة تتكون من بقايا كتائب القذافي وعناصر من مليشيات قبلية، بالإضافة إلى جانب كبير يسدّه المقاتلون المرتزقة، سواء كانوا من التابعين لحركات التمرد الأفريقية القادمة من تشاد والسودان، أو التابعين لشركات أمنية كشركة "فاغنر" الروسية، تتألف في الجانب الآخر قوات "حكومة الوفاق" من فصائل مسلحة مختلفة تنتمي لمناطق ليبية عدة، سيما من غرب البلاد، تمكنت من طرد مليشيات حفتر من جنوب طرابلس وترهونة ومناطق عدة بغرب البلاد، بعد أكثر من عام من القتال.

وعن خيارات حفتر الحالية، يؤكد كشادة في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه لا خيارات لديه يمكنها أن تعيده للمشهد كطرف عسكري فاعل، لافتاً إلى أن الضغوط التي تمكنت من إقصائه من المشهد، ولو نسبياً، يمكنها أن تجبره على القبول بوجود قوة أمنية مشتركة.

ومكنت حالة الصراع في ليبيا من انخراط أطراف إقليمية ودولية عدة لدعم أي من الطرفين، فتركيا تدعم "حكومة الوفاق" بموجب اتفاق أمني موقع بين الطرفين، فيما تواجدت روسيا عبر شركة "فاغنر" في صفوف قوات حفتر، بالإضافة لدعم إماراتي ومصري وفرنسي، ولذا لا يرى الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، نهاية للصراع بتشكيل قوة أمنية مشتركة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ويرجح الحداد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تعمل القوة الجديدة، في حال توافق الأطراف الليبية عليها، في تأمين المناطق الحيوية كالنفط مثلاً، كما قد تكون عاملاً لعدم انجراف مناطق التماس في الجفرة – سرت لحرب جديدة. ويضيف أن "الخطوة هامة لكنها لن تؤدي سوى إلى تسهيل التوجه لطاولة المفاوضات السياسية التي لن تكون سهلة هي الأخرى"، لافتاً إلى أن نتائج حرب حفتر على طرابلس لن تمكنه من الرجوع إلى طاولة المفاوضات السياسية كممثل رئيسي. وتابع: "فرنسا التي جعلت من حفتر طرفاً رئيساً، واستضافته كطرف مستقل في محادثات باريس العام قبل الماضي، تخلت عنه اليوم، والقاهرة غير راغبة فيه، ما يعني ضرورة إفراز نخب جديدة تمثل الشرق الليبي، بعد أن تبين أن عقيلة صالح هو الآخر غير مرغوب فيه لدعمه لحفتر".

ويرجح الحداد أحد طريقين يفضيان إلى طاولة المحادثات السياسية، أولهما الرجوع لمكونات لقاء غدامس الذي كان سينعقد قبيل هجوم حفتر على طرابلس، والذي كان شاملاً من خلال 200 شخصية، والثاني قد يؤشر له بروز الحديث أخيراً عن عودة أقاليم ليبيا التاريخية الثلاثة، وبالتالي يمكن أن تكون الطاولة مؤلفة من ثلاثة ممثلين بعيداً عن ممثلين اثنين يمثلان طرفي الصراع، خصوصاً بعد تلاشي قوة حفتر كطرف رئيس في الصراع.

 

المساهمون