لم نرتكب خطأ حتى نُعاقَب عليه

لم نرتكب خطأ حتى نُعاقَب عليه

01 ديسمبر 2017
الفيروس لا ينتقل بالعناق (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

"يتّفق المرض والمجتمع في آن واحد على محاربتنا، نحن المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، على الرغم من أنّنا بمعظمنا لم نرتكب خطأ حتى نُعاقب". هكذا يبدأ أبو صقر، البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً، حديثه عن معاناته من الإيدز.

وكان أبو صقر قد اكتشف إصابته قبل 10 أعوام، بعد عودته من إحدى الدول الخليجية حيث كان يعمل. فيقول إنّ "الخبر كان صادماً بالنسبة إليّ وشعرت أنّ الموت سوف يدركني خلال أسبوع. على الأثر، أخبرت زوجتي التي أجرت الفحوصات اللازمة لتظهر النتيجة إيجابيّة.. هي تحمل الفيروس كذلك. فطرحت عليها خيارَين إمّا البقاء معي أو الانتقال إلى منزل أهلها، لكنّها قرّرت البقاء". ويؤكد أبو صقر أنّ "المصابين يواجهون وصمة وتمييزاً في كلّ مكان تقريباً، حتى في بعض المرافق الصحية"، مشيراً إلى أنّه "عندما حان موعد وضع زوجتي، رفضت مستشفيات عدّة استقبالها ومساعدتها كونها مصابة، لذا اضطررت إلى الاحتيال ولم أعلم المستشفى الذي استقبلنا بأنّها مصابة، فجرى توليدها".

من جهتها، تحاول فيروز البالغة من العمر خمسة وثلاثين عاماً، التعايش مع المرض، على الرغم من كلّ ما تواجهه من صعوبات. تقول: "أحاول التغلب على المرض قبل أن يقتلني ويدمّرني. لم أستسلم لليأس"، مشيرة إلى أنّها تستخدم العلاج الثلاثي الذي توفّره المنظمات لمراكز العلاج. تضيف: "أتعامل مع المرض كأيّ مرض مزمن مثل ارتفاع ضغط الدم مثلاً أو أيّ مرض آخر يُصاب به الإنسان. فأمارس حياتي بصورة طبيعية". لكنّها تؤكّد أنّ "ما يؤلمني هو طفلي المصاب بالفيروس. كيف سوف يكون مستقبله وكيف سوف يتعامل المجتمع معه؟ من الظلم أن يتضرّر طوال حياته من دون ذنب اقترفه".

وتتزايد الوصمة المجتمعية والتمييز ضدّ مرضى الإيدز في اليمن لتضاعف معاناتهم، فهم يتعرّضون إلى مضايقات متكررة ويُحرمون من خدمات كثيرة. كذلك يتعرّض بعضهم إلى الاحتجاز من قبل أهلهم أو يتخلّى هؤلاء عنهم فيطردونهم من المنزل. يأتي ذلك في حين زادت الحرب التي تشهدها البلاد معاناتهم، إذ يجدون صعوبة في الحصول على الأدوية والرعاية الصحية اللازمة.

ويواجه اليمنيون المصابون بفيروس نقص المناعة المكتسب صعوبات مختلفة عند البحث عن الأدوية الخاصة بالمرض. أبو سند، البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، واحد من هؤلاء. هو يسكن على بعد نحو 200 كيلومتر من صنعاء، ويشكو من أنّ "عدم حصولي على راتبي منذ نحو عام بسبب الحرب، يجعلني غير قادر على دفع تكاليف التنقّل من قريتي إلى صنعاء للحصول على الدواء". فالأدوية الخاصة بالإيدز متوفّرة فقط في العاصمة اليمنية. ويشير أبو سند إلى أنّ "الحرب غيّرت أولويات وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية، لهذا يفتقر مرضى نقص المناعة المكتسب إلى الرعاية الخاصة التي يجب أن يحصلوا عليها مثلما هي الحال في دول العالم".



في السياق، يؤكد المتخصص في الصحة الإنجابية، الدكتور فهد الصبري، أنّ "ثمّة يمنيين يتعايشون مع المرض منذ أكثر من 15 عاماً ويستخدمون العلاج الثلاثي أو العلاج المضاد للفيروسات القهقريّة بانتظام، مع رعاية صحية مناسبة. وهم اليوم يمارسون حياتهم بطريقة طبيعية، ومنهم من تزوّج ومنهم من أنجب أطفالاً. أمّا نسبة إصابة أطفالهم بالمرض فتراوح ما بين واحد واثنَين في المائة". ويرى الصبري أنّ "مكافحة التمييز تمثّل تحدياً رئيسياً. فالمستشفيات كانت في البداية ترفض استقبال مرضى الإيدز، وبعد ضغوط كثيرة وتدريب للعاملين في المجال الطبي، تحسّن الوضع بعض الشيء، ومع ذلك ما زال أطباء كثيرون يصابون بالهلع عند ذكر فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب".

إلى ذلك، يؤكّد مسؤول المتابعة والتقييم في البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في اليمن، عبد الوهاب قحطان، أنّ "علاج المرضى لا يتوفّر في السوق بصورة كاملة. وثمّة أصناف متوفّرة لكنّها باهظة الثمن". يضيف أنّ "توفير العلاجات يأتي من خلال البرنامج بدعم من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسلّ والملاريا ومنظمات دولية أخرى، مع الإشارة إلى أنّ الحكومة اليمنية كانت تساهم بنسبة بسيطة قبل اندلاع الحرب". ويشير قحطان إلى أنّ "هذه الأدوية لم تنقطع حتى في أحلك الظروف ويصار إلى توفير الكميات الكافية منها على الرغم من صعوبات توصيلها إلى بعض الحالات بسبب بعد المسافات أو نتيجة النزوح من مناطق المواجهات المسلحة".

من جهته، يشير مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في صنعاء، الدكتور محمد الهبوب، إلى وجود "أكثر من 4900 مصاب بنقص المناعة المكتسب في اليمن حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وما زالت الأعداد إلى ازدياد. ومن هؤلاء ألفا مصاب يستخدمون الأدوية". يضيف أنّ "ثمّة خمسة مراكز خاصة بعلاج المرضى في صنعاء وعدن وتعز والمكلا والحديدة". لكنّ الهبوب يقرّ بوجود "إهمال وأخطاء طبية تتسبب في انتقال الفيروس، سواء أثناء عمليات نقل الدم أو عبر أدوات الجراحة. لكنّه من الصعب إثبات مثل هذه الوقائع، إذ إنّ فيروس الإيدز قد يكون في فترة فراغ الأجسام المضادة، أي أنّه غير قابل للقياس ولا يظهر إلا بعد أشهر".

دلالات

المساهمون