لقاء الصدر والسيستاني... المالكي يجمع ما فرّقه التاريخ

لقاء الصدر والسيستاني... المالكي يجمع ما فرّقه التاريخ

18 ابريل 2014
صور الصدر الأب والابن في 2008 (علي يوسف، getty)
+ الخط -

أثارت زيارة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى المرجع الديني علي السيستاني، في مقره بالنجف، الكثير من ردود الافعال لأهميتها وللمدلولات التي تحملها الزيارة في هذه المرحلة من تاريخ العراق، وخصوصاً أنها تتزامن مع اقتراب إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في نهاية الشهر الحالي.

وكشف مصدر مقرّب من نجل السيستاني، محمد رضا، أن اللقاء حصل بعد فشل محاولات عدة قام بها الصدر في السابق. وتنبع أهميته من التكهنات التي طرحها، ومدلولات البيان الصادر عن مكتب الصدر. الأسباب التي أعلنها البيان للزيارة، هي أن الرجلين أرادا تأكيد أهمية توفير الأمن والخدمات لأبناء الشعب العراقي، ونبذ الطائفية والإرهاب والوقوف بوجه الفساد. وفي إشارة الى أهمية الانتخابات المقبلة، أكد البيان أن السيستاني والصدر حثّا الشعب "على الوقوف بوجه الفساد وتقديم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية الضيقة، والحفاظ على الوحدة الإسلامية والوطنية". كما أنه أكد على ضرورة أن يكون الشعب العراقي "على درجة عالية من المسؤولية في اختيار الأصلح والاكفأ" في الانتخابات المقبلة، "لأنها تمثّل الطريق الوحيد للتغيير" نحو الأفضل.
وفي الفترة الأخيرة، صار السيستاني والصدر يردّدان كلمة "التغيير" مراراً، في إشارة الى رفضهما حصول نوري المالكي على ولاية ثالثة. ويرى كثُر أن اللقاء يحسم قرار المرجع الشيعي الأعلى تأييد سعي الصدر إلى قلب موازين القوى العراقية، بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ويقول مصدر مقرّب من السيستاني، لـ"العربي الجديد"، إن "سماحته ليس فقط مستاءً من فشل أداء حكومة المالكي في إدارة الحكم بالعراق، وإنما أيضاً من تصريحات المالكي التي تناولتها وسائل الاعلام في الفترة الأخيرة، والتي ادّعى فيها أن السيستاني وصف المالكي، خلال لقائه الأخير معه، أنه "رجل دولة حقيقي"، وأن "السيّد" أوصله الى الباب عند توديعه "لكي يشاهد الجميع إعجاب المرجع به". وأضاف المصدر أن "أحد أسباب لقاء السيستاني بالصدر هو استياء المرجع من ادّعاءات المالكي".

وكانت تصريحات المالكي قد أثارت ردود أفعال واسعة، على الصعيد الشعبي وفي داخل حلقات الحوزات الدينية. ويقول أحد رجال الدين المقرّبين من السيستاني، لـ"العربي الجديد"، إنه "لو صحّت ادّعاءات المالكي بأن السيد أوصل المالكي الى الباب فعلاً، فإنها ستكون سابقة، لأن ذلك يعني خروجاً على تقاليد المرجعيات. لأن المرجع الأعلى لا يودع ضيوفه عند الباب، إلا إذا كان ضيفه مرجعاً يتمتع بالمكانة نفسها، أو إنْ كان مرجعاً أكبر منه سنّاً". وقد كذّب السيستاني، بصورة غير مباشرة، تصريحات المالكي، وذلك على لسان معتمديه في خُطب صلاة الجمعة.

ويعتبر اتّفاق السيستاني والصدر على رؤية موحدة، سابقة تاريخية، لأن الرجلين ينتميان الى مدرستين تنتهجان مواقف مختلفة من العمل السياسي. ينتمي المرجع السيستاني الى المدرسة الشيعية التقليدية، التي يطلق عليها الباحثون في الدراسات الشيعية اسم المدرسة "الهدوئية". ويتركز المنهج الفكري لهذه المدرسة على عدم جواز تصدي رجال الدين للعمل السياسي في فترة "الغيبة الكبرى" للإمام الثاني عشر لدى الطائفة الشيعية، أي الامام المهدي المنتظر. في المقابل، تدعو هذه المدرسة رجال الدين الى التركيز على إدارة الامور العامة مثل "الأمور الحسبية"، وتقديم النصح والمشورة للحفاظ على الدين ومذهب الطائفة. وتتناقض هذه المدرسة مع نظرية "ولاية الفقيه" التي طوّرها وطبّقها في إيران، مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية، روح الله خميني، ويطبّقها في الوقت الحاضر خلفه، علي خامنئي، والتي من أهم خصائصها تصدي رجل الدين للأمورالسياسية بشكل مباشر.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أدى السيستاني دوراً محورياً في صياغة الحكم في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، على شكل تدخل مباشر في صياغة دستور جديد لبلاد الرافدين، تشرف عليه لجنه ممثلة في برلمان منتخب بشكل مباشر من قبل الشعب العراقي. إضافة الى ذلك، ساعد المرجع الأعلى، الأحزاب الاسلامية الشيعية في الصعود الى سدة الحكم، عندما أعلن دعمه لـ"الائتلاف العراقي الموحد"، والذي يحوي معظم الكتل الشيعية المتنفّذة في انتخابات 2005.

لكن المالكي، بعد وصول "الائتلاف" الى الحكم، أخذ لا يعير أهمية لتوجيهات السيستاني وانتقاداته للفشل في إدارة الحكم في العراق، ما دفع بالأخير الى إعلان قراره بعدم دعم أي حزب أو شخصية سياسية، وإغلاق أبواب المرجعية في وجه السياسيين. وقد يفسّر ذلك سبب رفض السيستاني استقبال المالكي وغيره من السياسيين منذ سنوات. وبعد شبه اعتزاله العمل السياسي لفترة دامت نحو عامين، عاد السيستاني بقوة الى الساحة العراقية، عبر توجيه أتباعه للقيام بـ"التغيير"، و"اختيار الأكفأ"، في إشارة الى عدم رضاه على أداء المالكي وحكومته.

أما المدرسة الصدرية، التي ينتمي إليها مقتدى الصدر، فتكوّنت نواتها في فترة الحراك الاسلامي الشيعي في النجف مع نهاية خمسينيات القرن الماضي، على يد أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية، محمد باقر الصدر، وهو ابن عم محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر. وهؤلاء الصدريون الثلاثة يؤمنون بوجوب تدخل رجال الدين في الحكم، ولكن بأشكال متفاوتة. وكانت طروحات محمد باقر الصدر تدعو إلى التدخل في العمل السياسي بشكل واضح وصريح، ما هدّد وجود النظام السابق، ودفعه الى أن يجد سبباً لإعدامه في أبريل/ نيسان 1980. أما والد مقتدى الصدر، محمد محمد صادق الصدر(اغتيل في 1999)، فكانت خطبه النارية تركز على أهمية دور رجال الدين في الحياة العامة، منتقدةً المرجعية التقليدية، وواصفة إياها بـ"الحوزة الصامتة" و"غير العربية"، ما شجّع النظام السابق على استغلالها لتقويض دور المراجع التقليديين في النجف، والذين كان معظمهم من غير العرب.

ومنذ ظهوره على الساحة العراقية، بعد احتلال العراق في 2003، تقلّب الزعيم الشاب مقتدى الصدر في مواقفه تجاه المرجعية التقليدية. ففي السنة الاولى بعد احتلال العراق، سار الصدر على خطى والده في انتقاد مرجعية النجف، مردداً الشعارات والنعوت نفسها التي كان يطلقها والده على المرجعية التقليدية. وذهب أتباع الصدرالى أبعد من ذلك، إذ حاصر عدد منهم منزل السيستاني، مطالبين برحيله من العراق.

لكن الصدر عدّل لاحقاً من موقفه العدائي تجاه السيستاني، بعدما أدى الأخير دور وساطة لوقف القتال بين "جيش المهدي"، التابع للصدر، وبين القوات الاميركية والعراقية في النجف عام 2004.

ولكن مع ذلك، يخطئ البعض في ترجمة التقارب بين السيستاني والصدر على أن الأخير قد تخلى كلياً عن المدرسة الصدرية. ويتّفق عدد من المتابعين على أن اللقاء لا يترجم إلا أنه يمثّل مباركة من السيستاني لعودة الصدر الى العمل السياسي، وتأكيد دعم المرجع الأعلى له. ويبدو أن الصدر حريص على الرجوع بقوة الى العمل السياسي هذه المرة. وما كان إعلان الصدريين الترشّح عبر ثلاث قوائم، تتوزّع على ثلاث مناطق انتخابية، إلا محاولة من الصدريين لضمان عدم خسارة الاصوات الصدرية وتشتّتها. كذلك، فإنّ زج شخصيات تكنوقراط ونواب مستقلين في قوائم الصدريين لخوض الانتخابات المقبلة، إضافة الى ترشيح محافظ ميسان، علي دواي، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، والمفضّل لدى مقتدى الصدر، لمنصب رئيس الوزراء المقبل، يترجم عزم الصدر على الدمج بين الزعامة الدينية والزعامة السياسية، مع الاقتراب من المرجعية التقليدية لكي يحتفظ بمكانته الدينية وإرث آل الصدر.

المساهمون