لحظات مأساوية خالدة

لحظات مأساوية خالدة

04 مارس 2017
+ الخط -
هنالك لحظات مُصوَّرة في المأساة السوريَّة، منذ خمس سنوات وحتّى الآن، هي لحظات فوق الاختلاف السياسي أو الفكري أو الأيديولوجي أو العسكري، ولا تندرج أبدًا في إطار السعي نحو الديمقراطيّة أو العلمانيّة أو أي مفهوم نظري أو سياسي.

هي مقاطع مأساوية مُتسامية، ولا تفهم إلا في إطار التراجيديا الإنسانيّة الخالدة، وحزن الوجود البشري، على يد مجموعة إجرامية، تقف ضد التطوُّر الطبيعي للبشريَّة (كلمة استبداد غير كافية أبدًا لوصفها). من هذه اللحظات مثلاً، الفتاة من غوطة دمشق التي تتأكّد بصوتها، وتشير إلى أنها حيّة، بعد أن استنشقت الغاز الكيماوي السام، في مقطع فيديو: "أنا عايشة .. أنا عايشة.. أنا عايشة"، بعد مجزرة الكيماوي التي ارتكبها آل الأسد. أو الرجل الحلبي الذي يقول عن زوجته: "بنت عمّي تاج راسي"، لما شتم رجال المخابرات زوجته جنسيّاً، وأهانوه على العلن. أو الشبيح الذي يقوم بعمليَّة إعدام لشخص ما، وهو يتلقّى اتّصالاً من أمّه التي تحرّضه على الانتقام والثأر. أو القنّاص الذي يستلذّ باصطياد القطط في الشارع المُراقَب بعد خلوّه من الناس. أو التحديقة الحيادية للطفل الحلبي بعد إنقاذه على يد رجال الدفاع المدني في حلب، وهو غارق في دمائه. أو مشهد الباصات الخضراء وهي تهجر العالم المدنيين العاديين عينك عينك برعاية دوليّة. أو حتّى ضحكة، بشار الأسد، نفسه التي هي بمثابة مجزرة. أو الطفل الذي يطالب من أبيه بأن ينتشله من الأرض بعد أن فقد قدميه، وهو يدرك هذا الأمر ويرى قدميه قد قطعتا. أو مشهد السجين الذي يتعلّم المشي من جديد بعد سنوات طويلة في المنفردة.


هذه اللحظات لا تحتاج لا إلى تنظير طبقي أو شعريّة أو فن، فقط وصف مجرّد لما جرى. وسيكزّ كل من يقرأها، لاحقاً، على أسنانه من الألم. 
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى