كيم يستعيد "سياسة الصواريخ" لمواجهة ترامب

كيم يستعيد "سياسة الصواريخ" لمواجهة ترامب

07 مارس 2019
كشف عن العمل بالمنشأة مع وصول كيم لبلاده(فرانس برس)
+ الخط -
كأن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون كان علم مسبق بأمر فشل القمة التي عقدها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العاصمة الفيتنامية هانوي الأسبوع الماضي، حيث رفض الأخير تخفيف العقوبات عن بيونغ يانغ. ولم تكد قدما كيم تطآن الأرض الكورية الشمالية، حتى تم الكشف عن إعادة بيونغ يانغ بناء موقع إطلاق صواريخ طويلة المدى كانت قد فككته العام الماضي كجزء من خطوات نزع السلاح.
وتأتي عملية إعادة بناء الموقع في إطار "سياسة الصواريخ" التي يعتمد عليها كيم جونغ أون للضغط على العالم، خصوصاً بعد كشف الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، أن كوريا الشمالية سجّلت في 2018 أدنى مستوى من المحصول الزراعي منذ أكثر من 10 سنوات، وذلك بسبب الكوارث الطبيعية التي شهدتها البلاد وافتقارها إلى الأراضي الصالحة للزراعة وعدم كفاءة الزراعة. وتكشف عودة كوريا الشمالية لبناء المنشآت في موقع "تونغتشانغ ري" لإطلاق الصواريخ أن كيم جونغ أون كان قد وضع خطة احتياطية لفشل قمته مع ترامب. وكان كيم قد حذر الولايات المتحدة في الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي من "اختبار صبره".

وكانت كوريا الشمالية قد بدأت عملية تفكيك المعدات في موقع "تونغتشانغ ري" بعد فترة وجيزة من انطلاق المفاوضات مع أميركا لنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، لكنها عادت وأوقفت هذا الأمر في أغسطس/ آب الماضي. وأوضحت صحيفة "واشنطن بوست" أن عملية إعادة البناء، التي بدأت بين 16 فبراير/ شباط الماضي و2 مارس/ آذار الحالي، بحسب صور الأقمار الصناعية، تعني أن عملية البناء قد تكون بدأت قبل القمة بين ترامب وكيم، التي عقدت في 28 فبراير في هانوي، أو بعدها مباشرة. وقد يكون الكشف عما تقوم به كوريا الشمالية الخطوة الأولى في عملية إنهاء قرارها بوقف التجارب الصاروخية، الذي كان ترامب قد اعتبره انتصاراً دبلوماسياً ينسب إليه. وعلى الرغم من انهيار قمة ترامب وكيم جونغ أون، إلا أن الطرفين تركا الباب مفتوحاً أمام إجراء مفاوضات مستقبلية بين البلدين. لكن مع وجود زعيمين لا يمكن التكهن بقراراتهما، فإن إمكانية انهيار المفاوضات والعودة إلى نقطة الصفر واردة.

يشار إلى أن واشنطن ألقت بمسؤولية فشل القمة على إصرار بيونغ يانغ على رفع كامل العقوبات الأممية عنها مقابل تنازلات نووية رأتها الولايات المتحدة غير كافية. وتربط الولايات المتحدة رفع العقوبات بتخلص كوريا الشمالية من كل أسلحتها النووية، والمنشآت التي تصنع فيها تلك الأسلحة، والمواد التي تدخل في صناعتها. وبحسب واشنطن، فقد عرض الكوريون الشماليون تفكيك المنشأة النووية الرئيسة لديهم في يونغبيون، وهي الوحيدة التي تنتج بلوتونيوم لصنع القنابل النووية، بالإضافة إلى مواصلة تفكيك موقع "تونغتشانغ ري"، مقابل رفع العقوبات، لكن ترامب اعتبر أن رفع العقوبات ثمن مرتفع جداً في مقابل خطوات جزئية من أجل نزع الأسلحة النووية. وقد أصر الأميركيون على خطة أكثر وضوحاً وشمولاً من تلك التي عرضتها بيونغ يانغ. وتخشى الولايات المتحدة من أن رفعاً كلياً للعقوبات، طلبته كوريا الشمالية، قد يؤدي إلى زيادة تصريف أسلحتها بالعالم وعدد من بلدان منطقة الشرق الأوسط. وكانت مجلة "فورين بوليسي" قد ذكرت أخيراً، أن بيونغ يانغ لم تتخذ إجراءات كافية للتخلص من برنامجها النووي، بل زادت على ذلك ببحثها عن "طرق بديلة" لتصريف أسلحتها في العالم وعدد من بلدان المنطقة. وقال التقرير إن النظام السوري أصبح أحد أهم زبائن كوريا الشمالية في الحصول على تجهيزاتها العسكرية، سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا، بما في ذلك المعدات التي تدخل في تطوير الأسلحة الكيميائية. وأضافت أنه من خلال وسيط سوري في مجال التسلح، وفرت كوريا الشمالية السلاح لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن.



وأجرت كوريا الشمالية في العام 2006 تجربتها النووية الأولى. وفي 2017 أكدت أنه بات بإمكانها تثبيت رأس نووي على صاروخ عابر للقارات قادر على إصابة الساحل الشرقي للولايات المتحدة، كما أطلقت عدداً من الصواريخ البعيدة المدى. وفي قمتهما الأولى في 12 يونيو/ حزيران الماضي في سنغافورة، اتفق ترامب وكيم على نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، لكن منذ ذلك الحين تراوح المفاوضات مكانها. وكانت بيونغ يانغ قد أوضحت أخيراً أن التزامها بـ"إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بالكامل"، الذي كررته خلال القمة الأخيرة بين ترامب وكيم، يفترض أن يشمل "سحب كل التهديدات الأميركية"، وهذا يعني إعادة النظر في الاتفاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى البدء برفع العقوبات عن بيونغ يانغ.

وأعلن مركز دراسات أميركي، استناداً إلى صور من الأقمار الصناعية، رصد مؤشرات نشاط في موقع لإطلاق الصواريخ في كوريا الجنوبية، ما يوحي بأن بيونغ يانغ باشرت بـ"إعادة بناء المنشأة" بعد فشل قمة هانوي الأسبوع الماضي. وذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه تم رصد معاودة النشاط في موقع "تونغتشانغ ري" في منشأة "سوهي"، بعد يومين فقط من فشل القمة، وهو ما قد "يظهر التصميم في مواجهة الرفض الأميركي" لطلب بيونغ يانغ تخفيف العقوبات عليها. وتابع المركز، الذي يتخذ مقراً له في واشنطن، أن "هذه المنشأة كانت مجمدة منذ أغسطس 2018، ما يشير إلى أن النشاطات الحالية متعمدة وموجهة نحو هدف". ويستخدم موقع "تونغتشانغ ري" الواقع على ساحل شمال غرب كوريا الشمالية، بحسب الرواية الرسمية، لوضع أقمار صناعية في مدارها، لكن من الممكن تكييف المنشآت بسهولة لحمل صواريخ بالستية. ويتهم المجتمع الدولي كوريا الشمالية بإخفاء برامج عسكرية خلف برنامجها الفضائي.

وأعلن رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، في سبتمبر/ أيلول الماضي، في ختام قمة مع كيم في بيونغ يانغ، أن الشمال وافق على "إغلاق دائم" لموقع "تونغتشانغ ري" لاختبار محركات الصواريخ ومنصة إطلاق أخرى. وأظهرت صور عبر الأقمار الصناعية في يوليو/ تموز الماضي، مباشرة تفكيك مبنى تُجمع فيه الصواريخ قبل نقلها إلى منصة الإطلاق. وأشار المركز إلى نشاط "واضح" في موقع تجارب المحركات وسكة نقل الصواريخ إلى منصة الإطلاق. ومنشأة "تونغتشانغ ري" هي التي أطلقت منها بيونغ يانغ قمرين صناعيين في 2012 و2016. ولفت المركز إلى أن هذا الموقع "استخدم في الماضي لإطلاق أقمار صناعية باستخدام تكنولوجيا الصواريخ البالستية العابرة للقارات المحظورة بموجب قرارات مجلس الأمن".

وذكر موقع "نورث 38"، المتخصص في دراسات كوريا الشمالية، أن صور القمر الصناعي تشير إلى أن جهود إعادة بناء بعض البنايات في الموقع بدأت في الفترة ما بين 16 فبراير/ شباط الماضي والثاني من مارس/ آذار الحالي. وكان تفكيك أجزاء من منشأة إطلاق الصواريخ طويلة المدى من بين عدة خطوات اتخذتها كوريا الشمالية العام الماضي عندما دخلت في محادثات نووية مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. نفذت كوريا الشمالية عمليات إطلاق الأقمار الصناعية في الموقع في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى فرض عقوبات من قبل الأمم المتحدة جراء ادعاءات خبراء بأنها اختبارات مقنعة لتقنية الصواريخ المحظورة. وأعلنت أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية، خلال إحاطة في البرلمان، أنها رصدت مؤشرات نشاط في "تونغتشانغ ري". وقال مدير موقع "38 نورث" الإلكتروني ومقره واشنطن، جويل ويت، إن المؤشرات التي تم رصدها ليست بالضرورة "مطابقة للتحضير لتجربة صاروخ بالستي عابر للقارات". وأوضح أنه "بالإضافة إلى أن (كوريا الشمالية) لم تطلق أي صاروخ عابر للقارات من تونغتشانغ ري، وهو موقع لإطلاق المركبات الفضائية، فإن الإعداد لأي عملية إطلاق يفترض سلسلة من الأنشطة لم يتم رصدها في الصور". ويؤيد أنكيت باندا، وهو من اتحاد العلماء الأميركيين، هذه الفكرة، للقول إن هذه الصور ليست مؤشراً وشيكاً لإطلاق صاروخ عابر للقارات، لكن قد "يذكر بالحقبة التي كانت فيها الأمور أسوأ وما قد نخسره إذا فشلت العملية الدبلوماسية".

المساهمون