كورونا: نظرة سلبية تؤلم مرضى ليبيا

كورونا: نظرة سلبية تؤلم مرضى ليبيا

15 سبتمبر 2020
يعقم يديه في طرابلس (فرانس برس)
+ الخط -

يعاني المصابون بفيروس كورونا الجديد، في ليبيا، من مقاطعة مجتمعية، ما يفاقم وضعهم في معركة الشفاء من المرض، وتبقى تلك المقاطعة بما تحمل من مضامين سلبية حتى بعد شفاء المريض تماماً. وهي مقاطعة تتحول إلى ما يقترب من مستوى الظاهرة، بحسب تعبير نسرين عكريم، المتخصصة الاجتماعية. تعتبر عكريم  في حديثها إلى "العربي الجديد" أنّ مشاعر الخوف من المرض تنامت لتصل إلى الكراهية الناتجة عن نظرة سلبية من غير المريض تجاه المريض. وتشير إلى أنّ التوعية حيال مخاطر المرض وطبيعته، وما رافقها من تهويل، ساهمت في وصول الأمر إلى هذا المستوى.
يعبّر موسى عبد الهادي ، وهو شاب من مدينة سبها، عن ضيقه من تهرب أقاربه حتى منه وعدم تعاملهم معه، بالرغم من نشره بطاقة شفائه من المرض على نطاق واسع. يقول: "المرض تحول إلى وصمة أراها في عيون الناس" متسائلاً: "هل ارتكبت جريمة؟ بعض الأشخاص باتوا يعبرون عن كرههم لي، ويسيئون إليّ أثناء مروري بأيّ جهة حكومية لطلب إجراء أو معاملة إدارية". عبد الهادي موظف في إدارة السجل المدني، لكنّه منذ حاول العودة إلى العمل بعد شفائه لم يتمكن من ذلك بسبب إجباره من قبل الإدارة على أخذ إجازة طويلة. يعلق لـ"العربي الجديد": "من بين زملائي في العمل من طلب مني بازدراء أن أدخل إلى مكتبه فيما يتهرب آخرون مني بطريقة غير لائقة، فقط لأنّني كنت مريضاً بكورونا".

في يونيو/ حزيران الماضي، تفشى الفيروس في أسرة عبد الهادي، التي كان بعض أفرادها يؤدون واجب العزاء عند أحد الجيران، وكانت سبها في ذلك الحين قد أعلنت بؤرة للوباء رسمياً. وبالرغم من شفاء عبد الهادي وشقيقه وشقيقتيه، فإنّ ما فاقم النظرة السلبية من جانب المجتمع لأسرته هو وفاة والدته بسبب الفيروس نهاية الشهر نفسه. يقول: "لم نقم عزاء ولم نحضر مراسم الدفن بسبب طلب الفريق الصحي، لكن، من ذلك اليوم يتهرب الجميع حتى من المرور من جانب بيتنا، بل وصل الأمر ببعض الأصدقاء إلى حدّ عدم الردّ على اتصالاتي الهاتفية". كان عبد الهادي يتوقع دعماً نفسياً بعد المشاعر المتضاربة التي عاشتها الأسرة المكلومة من جراء المرض وفقدان الأم ومواجهة أفرادها جميعاً خطر الموت بسبب النقص الكبير في الإمكانات بمستشفى المدينة.
من جهته، يتساءل المريض السابق، منصور الظفير، من زليتن شرق طرابلس: "متى ينتهي هذا التهرب مني وتلك النظرة السلبية إليّ من الجيران حتى"؟ يضيف: "اعتدت على كثير من تلك المظاهر، فابنتي مثلاً رفضت أن أقبّل ابنها وهو حفيدي، وبالرغم من أنّها تجلس بعيداً عني بمسافة، أصبحت تمنع حفيدي من الخروج من حجرته حين أزورها". وبالرغم من شفاء الظفير من المرض منذ منتصف مايو/ أيار الماضي، فهو يضع اللوم في الرفض المجتمعي الذي يواجهه على الضخ الإعلامي غير الحكيم "خصوصاً عبر نشرات الأخبار التي أشاعت إمكانية عودة المرض، حتى أنّي سمعت بعض من يقول لي إنّ الأخبار تقول إنّ الفيروس لديه قدرة على الاختباء في جسمك". ويضيف: "الحمد لله أنّي في إجازة مفتوحة كوني مؤذناً في مسجد الحي والمساجد مقفلة بسبب قرار الحكومة وإلاّ كيف يمكنني الاستمرار في عملي والناس تتهرب مني"؟ يؤكد الظفير أنّ "نظرة العار" طاولت أسرة ابنه بالرغم من عدم تسجيل أيّ إصابة فيها. يتابع عن ابنه أنّ "أصهاره وأصدقاءه هجروه، علماً أنّه من كان يوصل المواد الغذائية إلينا خلال فترة عزلي التي استمرت 18 يوماً". ويعبر الظفير عن انزعاجه من اتصالات الفضوليين عبر الهاتف به، وإطلاق الشائعات حول انكفاء أسرته على نفسها، لكنّه يؤكد أنّ انعزال أسرته وعدم مخالطتها الآخرين كانا بسبب التهرب والمعاملة السيئة التي تلقاها.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

تلقي عكريم باللوم على مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية بشأن حملات التوعية من المرض، وضرورة تصحيح المعلومات التي تذيعها نشرات الأخبار بشأن مستجدات المرض. وتقول إنّ "الخوف الذي تحول إلى كراهية للمريض سببه غياب الترشيد الصحي، فهناك تناقض في سلوك المواطن الذي لا يلتزم بالإجراءات الوقائية من ناحية، بينما، من ناحية أخرى، يتخوف من المريض بسبب خبر مثل اختباء الفيروس في جسم من شفي منه". وتقول إنّ "المواطن يمضي أغلب يومه أمام التلفزيون، وهو النافذة الرسمية له على العالم، لكنّه اذا سمع بندوة توعوية حول المرض لا يشاهدها أو يشارك فيها". وتلفت إلى أنّ من مظاهر تناقض سلوك المواطنين عدم تخوفهم من الازدحام في المناسبات والأسواق وغيرها، لكنّهم في الوقت عينه يتهربون من المريض الذي لا يتطلب الابتعاد عنه سوى مترين فقط، قبل الحديث عمن شفي تماماً من المرض. وتحذر من مخاطر المضاعفات النفسية على المريض من جراء النظرة السلبية إليه.