كورونا .. دروس مغربية

كورونا .. دروس مغربية

02 سبتمبر 2020

تطهير في شارع في الرباط (22/3/2020/فرانس برس)

+ الخط -

بدأت جائحة كورونا في المغرب تتحوّل إلى إكراه بنيوي، في ضوء المؤشّرات الصحية والاقتصادية والاجتماعية الحالية، التي تؤكد صعوبة السيطرة على الوباء، ووقف تفشّيه، على المدى القريب. وإذا كانت الدولة قد نجحت، نسبياً، خلال الأشهر الأولى في التعامل مع الجائحة، فإن استمرار تفشّي الفيروس بات يربك حساباتها، بسبب محدودية الخيارات والبدائل المتاحة أمامها، وخصوصاً في ما يتعلق برداءة المنظومة الصحية، وشحّ الموارد البشرية والمادية واللوجستية، من دون أن يُغفل غياب التدبير الأفقي للجائحة، أمام ضعف مؤسسات الوساطة والتأطير التي أظهرت عجزها عن التفاعل مع ما أثارته كورونا من أسئلة وقضايا.

صحيحٌ أن هذه الصورة القاتمة تندرج ضمن أزمةٍ كونيةٍ كبرى، تجتاح مختلف بلدان العالم، إلا أن لكل بلد شروطه وتوازناته وإمكاناته التي قد تُحدث الفارق، ولو نسبياً، في مواجهة الجائحة. وإذا كان بعضهم يرى أن الدولة قامت بما يجب القيام به، لحصر تفشّي الوباء، وبالتالي، من غير المنطقي تحميلها مسؤولية ما أبداه المغاربة من تراخٍ في احترام الإجراءات الوقائية، فإن ذلك ليس إلا النصف الملآن من الكأس، بينما يقع نصفها الآخر ضمن ما استجدّ في إدارتها الجائحة إبّان الشهرين المنصرمين. ففي الشقّ الصحي، قلّصت الدولة التدابير الاستشفائية التي كانت تخصّ بها المصابين إلى الحد الأدنى، بسبب ارتفاع أعدادهم، وافتقادها الخبرة في التعاطي مع الأوبئة والجوائح. وفي الشقّ الاقتصادي، كان لزاماً عليها تخفيف تدابير الحجْر الصحي، من أجل تحريك عجلة الاقتصاد، بعد ثلاثة أشهر بيضاء كانت مكلفةً اجتماعياً، والسماحُ بانتعاش بعض القطاعات الحيوية، على الرغم مما حمله ذلك من مخاطر جمّة على صحة فئات واسعة. وقد أثبت الارتفاع المطّرد في أعداد المصابين والمتوفين، في الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، أن الحكومة عاجزةٌ عن إيجاد خيط رفيع يصل بين متطلبات الاقتصاد والصحة.

تبدو الجائحة مختبراً مفتوحاً لاستخلاص دروسٍ يبدو المغاربة، سلطة ونخباً وشعباً، بحاجة إليها. أولها أن البلد بحاجة لنموذج تنموي متوازن وعادل يحفظ كرامة الجميع، وتحتضنه بيئة ديمقراطية سليمة، تسمح له بالتطور، ونخبٌ وطنية وجهوية قادرة على إنتاج الحلول بشأن ما يستجدّ من قضايا. وقد رأينا كيف تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مصدر لإنتاج ''الحقائق'' الطبية والسياسية والاقتصادية بشأن كورونا، في وقتٍ كان يُفترض فيه أن يكون هناك نقاش عمومي واسع، تؤطّره هذه النخب وتُغنيه. 

كشفت الجائحة وجهاً آخر لهذه النخب، فعوض أن تجتهد أطيافها المختلفةُ في البحث عن حلول اقتصادية واجتماعية، للتخفيف من تبعات الجائحة، بدت منشغلة، أكثر، بما ستغنمه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ما حاجة المغاربة بشبكة نخب واسعة تتغذّى على الريع السياسي؟ ما حاجتهم بمجالس جهوية إذا لم تكن قادرةً على تقديم حلول جهوية ناجعة لأزمة بحجم بدء العام المدرسي مثلاً؟ إنه الحصاد المرّ لسنوات طويلة من السياسات العمومية التي حولت قطاعات حيوية منتجة بطبيعتها، مثل التعليم والصحة، إلى عبءٍ سياسي واجتماعي بمباركة هذه النخب والمؤسسات الدولية المانحة. 

لقد أثبتت كورونا مدى الحاجة إلى بنياتٍ صحيةٍ قويةٍ ومتطوّرة، ومواطنٍ واعٍ ومتعلمٍ ومتحضر يُبيّض وجه الدولة، ويكون سنداً لها في الأزمات الطارئة. كذلك كشفت محدودية المشاريع الاقتصادية الكبرى، من دون رفدها بسياسات اجتماعية متكاملة، يكون المواطنُ في مقدمة أولوياتها، فما جدوى أن تتوافر مدينةٌ بحجم طنجة على أكبر ميناء في البحر الأبيض المتوسط، من دون أن تُوازي ذلك بنيةٌ صحيةٌ متكاملةٌ تواكب النمو الحضري المتسارع للمدينة؟ والشيء نفسه بالنسبة إلى مراكش، المدينة التي تختزل المغرب التاريخي، والتي كشفت الجائحة الوجه الآخر لصورتها السياحية البرّاقة.

يواجه المغرب وضعاً صعباً للغاية، فالوباء مستمرٌّ في التفشّي، ومعدل النمو الاقتصادي يتراجع، وعوائد السياحة وتحويلات المغتربين والاستثمار الأجنبي والصادرات انخفضت إلى مستوياتٍ قياسية. وطيفٌ عريضٌ من النخب الاقتصادية لا يبدو مستعدّاً لتحمّل جزء من التكاليف الاجتماعية للجائحة، ذلك كله يؤكد الحاجة إلى أن تصبح كورونا قطيعةً مفصليةً في السياسات العمومية المتبعة منذ الاستقلال، على درب إعادة توجيه بوصلتها بما يسهم في بناء المجتمع وتأهيله لمواجهة الأزمات واستخلاص دروسها.