كابوس الانشقاق يتهدّد حزب العمال البريطاني

كابوس الانشقاق يتهدّد حزب العمال البريطاني

22 اغسطس 2016
مصير كوربين يتحدد في 24 سبتمبر (كريستوفر فورلونغ/Getty)
+ الخط -
دخلت معركة الصراع على زعامة حزب العمال البريطاني فصلاً حاسماً اليوم الاثنين مع فتح باب التصويت للتجديد لزعيم الحزب الحالي، جيرمي كوربين، أو اختيار منافسه الوحيد، أوين سميث، خلفاً له. وسيستمر أعضاء الحزب المؤهلون بالتصويت عبر البريد أو البريد الإلكتروني حتى 21 سبتمبر/أيلول المقبل، على أن تُعلن النتيجة النهائية في 24 من الشهر نفسه، خلال المؤتمر العام للحزب الذي سيُعقد في مدينة ليفربول، شمال غرب بريطانيا.

وعشية فتح باب التصويت، وجه عمدة لندن العمالي، صادق خان، ضربة موجعة لكوربين عندما دعا أعضاء الحزب لإيجاد بديل منه، بسبب إخفاقه بحشد التأييد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي خلال استفتاء يونيو/حزيران الماضي. وقال خان في مقال كتبه لصحيفة "أوبزرفر" أمس الأحد: "برهن جيرمي كوربين بالفعل أنه غير قادر على تشكيل قيادة قوية، وأخفق في نيل ثقة واحترام الشعب البريطاني"، مضيفاً أنه "لا بد من إسقاطه قبل فوات الأوان". وفي استدارة لافتة عن موقفه السابق في دعم كوربين خلال الانتخابات الحزبية التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي، عبر خان عن دعمه الصريح للمرشح سميث، بوصفه الأقدر على لم شمل الحزب، وقيادته في مواجهة حزب المحافظين في الانتخابات العامة المرتقبة في عام 2020.

وانفجرت أزمة القيادة في حزب العمال بعد ذلك الاستفتاء، إذ اتهم قياديون ونواب بارزون في الحزب، كوربين بعدم العمل بإخلاص للمحافظة على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، داعين إلى استقالته، وانتخاب قيادة جديد. وتصاعدت الاحتجاجات داخل الحزب بعد تقدم النائبتين مارغريت هودج، وآن كوفي، باقتراح حجب الثقة عن ‏زعيم الحزب بسبب سوء أدائه خلال حملات الاستفتاء، وفشله في إقناع الناخبين بالتصويت لصالح خيار "البقاء" في الاتحاد، وعدم كفاءته لقيادة المرحلة المقبلة. ثم ما لبثت أن دخلت الأزمة العمالية منعطفاً غير مسبوق في يونيو/حزيران الماضي مع تصويت نواب الحزب بحجب الثقة عن كوربين بأغلبية 172 مقابل 40 صوتاً معارضاً. في المقابل، رفض كوربين الاستقالة، معتبراً أن "تصويت أعضاء البرلمان ليست له شرعية دستورية"، ومتمسكاً بموقفه السابق، قائلاً "انتخبت بشكل ديمقراطي زعيما للحزب بنسبة 60 في المائة من أعضاء ومؤيدي حزب العمال ولن أخونهم بالاستقالة".

وعلى الرغم من أن ظاهر حركة التمرد على قيادة كوربين يتمثل بالتذرع بفشله في التأثير على نتيجة الاستفتاء، إلا أن مؤيدي كوربين في القواعد الحزبية شككوا في "نزاهة" الانتقادات أو الاتهامات المُوجهة له. ورجحوا أن يكون تيار الزعيم العمالي الأسبق، توني بلير، المعارض بشدة لزعامة كوربين، قد انتهز فرصة التذمر من أداء كوربين خلال الاستفتاء، للانقلاب عليه وعلى تياره اليساري الذي انتزع قيادة الحزب قبل سنة من التيار الوسطي القريب من بلير. ويقول أنصار كوربين إن تيار رئيس الوزراء الأسبق، الذي انحرف بحزب العمال اليساري نحو اليمين، يحاول العودة إلى قيادة الحزب، وإطاحة التيار اليساري الراديكالي، من خلال تحميله مسؤولية تصويت 52 بالمائة من البريطانيين لصالح الخروج من أوروبا.

ومهما كانت نتيجة التصويت التي سيُعلن عنها بعد حوالي شهر، لا يستبعد المراقبون دخول الحزب في أزمة قد تتطور إلى انقسام حاد بين القواعد الشعبية ونواب الحزب في البرلمان البريطاني، وربما تصل الأزمة إلى حد انشقاق الحزب، وظهور تنظيم جديد، كما يُرجح البروفيسور في قسم العلوم السياسية في جامعة الملكة ماري، تيم بايل.

وترى الأوساط السياسية والإعلامية أن إعادة انتخاب كوربين على رأس حزب العمال البريطاني، قد تؤدي إلى تمرد حوالي 170 نائباً سبق لهم أن حجبوا الثقة عنه. وربما تؤدي إلى تأسيس كتلة برلمانية خارج قيادة كوربين، دون الخروج من الحزب. لكن السيناريو الأسوأ في تاريخه، منذ تأسيسه قبل 116 عاماً، يتمثل باحتمال تأسيس حزب جديد، أقرب إلى الوسط، ومؤيد لأوروبا، ويتحالف مع نواب حزب الديمقراطيين الأحرار، ويُشكل حكومة الظل بوصفه الكتلة المعارضة الأوسع في البرلمان في مقابل "كتلة كوربين" العمالية التي لن تتجاوز في أحسن الأحوال 60 نائباً. كما أن كوربين سيكون عاجزاً عن تشكيل "حكومة ظل" حتى في حال اختار التحالف مع نواب الحزب القومي الإسكتلندي البالغ عددهم 54 نائباً.

وعلى الرغم من التأييد الذي يحظى به كوربين من القواعد الحزبية، ومن أكبر النقابات العمالية والمهنية، إلا أن استطلاعات الرأي ترجح تقدم سميث، الذي يرى فيه معظم البريطانيين الشخص الأنسب لقيادة حزب العمال ورئاسة الوزراء إذا ما فاز الحزب في الانتخابات المقبلة. وأظهر أحدث استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث "بي إم جي" لصالح صحيفة "ذا ميرور"، أن كوربين سيخسر أمام منافسه. وذكرت الصحيفة على موقعها الإلكتروني يوم الثلاثاء الماضي، أن 58 بالمائة من البريطانيين البالغين يعتقدون أن سميث سيكون أفضل من كوربين في قيادة حزب العمال، وأن 62 بالمائة منهم لديهم نفس الرأي حول رئاسة الوزراء.

كما أن ثلث المواطنين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم قد لا يصوتون لصالح حزب العمال في حال ظل كوربين قائداً له حتى عام 2020، في حين أن 20 بالمائة منهم قد يصوتون. في المقابل، أظهر الاستطلاع أن 17 بالمائة من البريطانيين قد لا يمنحون صوتهم لـ"العمال" إذا ما كان سميث في القيادة.

وكان مركز أبحاث "كامريز" قد أجرى استفتاء آخر لصحيفة "صنداي ميرور"، في وقت سابق من الأسبوع الماضي، أظهر أن نسبة 37 بالمائة من المصوتين يرجحون فوز سميث بالمنافسة على القيادة، مقابل نسبة 23 بالمائة ترجح إعادة انتخاب كوربين.


المساهمون