قضية نقابة المعلمين الأردنيين... قيود على الصحافيين

من احتجاج على إغلاق نقابة المعلمين (ليث الجنيدي/الأناضول)
21 اغسطس 2020
+ الخط -

ما زال الإعلام الأردني يغيب عن تغطية الأخبار المتعلقة بالأزمة المتصاعدة بين نقابة المعلمين الأردنيين والحكومة، على خلفية إغلاق نقابة المعلمين الأردنيين لعامين، وتوقيف أعضاء مجلس النقابة، بسبب قرار يحظر النشر، ما أثار انتقادات واسعة من منظمات ومؤسسات إعلامية وحقوقية، خصوصاً بعد الاعتداء على صحافيين كانوا يقومون بعملهم في التغطية.

وقرّر نائب عام مدعي عام عمّان، حسن العبداللات، في 25 يوليو/ تموز الماضي كفّ يد أعضاء مجلس نقابة المعلّمين وأعضاء الهيئة المركزية، وهيئات الفروع وإداراتها، ووقف النقابة عن العمل وإغلاق مقرّاتها لمدة سنتين، وإصدار مذكّرات إحضار بحقّ المشتكى عليهم من أعضاء مجلس النقابة، لعرضهم على المدّعي العام المختصّ، لاستجوابهم. كما قرّر في ذات الوقت منع النشر والتداول والتعليق في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بهذه القضايا المنظورة كافة، باستثناء الجهة الرسمية المصرّح لها بذلك. وفي قرار لاحق مع تطورات القضية، قررت محكمة صلح جزاء عمّان الأحد 9 أغسطس /آب، حظر نشر أي أخبار أو منشورات أو التعليق على مجريات المحاكمة في الدعوى القضائية المتعلقة بنقابة المعلمين.

وبحسب كتاب صادر عن القاضي محمد الطراونة، القرار يطبق على مختلف وسائل الإعلام والمطبوعات ومنصات التواصل الاجتماعي. وأظهر الكتاب، أنّ القرار جاء عملا بأحكام المادة 225 من قانون العقوبات، والمادة 39/ب من قانون المطبوعات والنشر.

في تقريرٍ لها، الثلاثاء الماضي، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن السلطات الأردنية "استخدمت أمراً كاسحاً لمنع النشر إضافة إلى المضايقات والاعتقالات لتقييد التغطية الإعلامية للاحتجاجات المستمرة الناجمة عن الإغلاق التعسفي لنقابة المعلمين الأردنيين في 25 يوليو/تموز 2020"، مشيرةً إلى ضرب صحافيَيْن كانا يغطيان الاحتجاجات. واعتبرت المنظمة أنّ القيود المفروضة على التغطية الإعلامية لاحتجاجات المعلمين تعكس تدهوراً أوسع في حرية الصحافة في السنوات الأخيرة.

وقالت "هيومن رايتس ووتش" إنها قابلت 8 صحافيين أردنيين وأجانب يعملون في الأردن الشهر الحالي، قالوا إنهم تعرضوا خلال السنوات القليلة الماضية لقيود متزايدة على تغطيتهم الصحافية في شكل أوامر حظر النشر، ومضايقات من قبل قوات الأمن، ووقف التصاريح الإعلامية.

وبحسب المنظمة، أوقفت السلطات صحافيَيْن اثنين على الأقل بسبب تغطيتهما لاحتجاجات المعلمين المستمرة، وتعرض اثنان للضرب على أيدي قوات الأمن أثناء محاولتهما تغطية الاحتجاجات. إذ تم توقيف ليث الجنيدي، وهو صحافي ومصوّر لدى وكالة "الأناضول" التركية ولديه خبرة لأكثر من 10 سنوات، في 9 أغسطس/آب أثناء تغطيته لاحتجاجات المعلمين في مدينة إربد، في شمال الأردن.

وفي 29 يوليو/تموز، أفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأن الشرطة هاجمت عمر العكور، المصور الصحافي لدى الوكالة، خلال تظاهرة في عمّان في وقت سابق من ذلك اليوم. وقال التقرير إن الشرطة هاجمته حتى بعد أن عرّف عن نفسه بأنه صحافي: "سقط العكور على الأرض بعد أن ضُرب، حيث ركله شرطي آخر. حطمت الشرطة هاتفه الخلوي، متلفة بذلك المقاطع التي صورها للاشتباكات".

وفي 27 يوليو/تموز، استُدعي باسل عكور، رئيس تحرير Jo24، وهو موقع إخباري محلي، من قبل "وحدة الجرائم الإلكترونية" التابعة لـ"إدارة البحث الجنائي". وقال إن الشرطة أخذته فيما بعد إلى النائب العام، الذي سأله عن منشورين على "فيسبوك" ومقالات من Jo24 وأخبره أنه خالف أمر منع النشر. نفى عكور ذلك، مشيرا إلى أن تحقيقه لم يكن حول الإغلاق، بل رد الفعل عليه. أُطلِق سراح عكور بعد بضع ساعات.

وفيما اعتبرت المنظمة أنّ أمر منع النشر المتعلق بنقابة المعلمين ليس سوى أحدث إجراء لتخويف الصحافيين وتقييد وصولهم وقدرتهم على التغطية الإعلامية، قالت إن على وزير الداخلية إصدار تعليمات لهذه الأجهزة بوقف كل مضايقات وترهيب الصحافيين والسماح لهم بالعمل بحرية. كما طالبت وزارة العدل ومكتب النائب العام بالتأكد من أن أوامر حظر النشر تقتصر بوضوح على محتوى التحقيقات وعدم استخدامها لمنع النقاش العام حول القضايا الحساسة. وقال نائب مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، مايكل بَيْج: "تقلص المساحة أمام الصحافيين للعمل في الأردن يعكس انزلاق البلاد نحو القمع. على الحكومة أن تتصرف بحزم لمحاسبة المسؤولين عن مضايقة وترهيب الصحافيين".

وكانت مؤسسات المجتمع المدني في الأردن قد انتقدت سابقاً قرارا عن النائب العام بمنع النشر، معتبرةً أن القرار أدى الى كسر أقلام الصحافيين وتكميم أفواههم وحجب المعلومات عن المجتمع في قضية تشغل الرأي العام الأردني. وأضافت في بيان، الأسبوع الماضي، أن القرار انعكس على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي فتمت مصادرة آرائهم ومنعهم من التعبير، فتم تحريك شكوى الحق العام بحق عدد من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي وقد تضمنت تهماً مختلفة بسبب القيام بنشر أو إعادة نشر رأي معين.

وأشارت المؤسسات إلى أنّ "قانون العقوبات أصبح يستخدم بشكل يخالف مقاصده وتحديداً في قرار منع النشر حيث إن المادة 225 التي تتضمن منع نشر وثائق التحقيق قبل تلاوتها في جلسة علنية، إضافة إلى جلسات المحاكمات السرية والمحاكمات في دعوى السب والمحاكمات التي منعت المحكمة نشرها، لم تجرم في أي حال من الأحوال منع تداول الآراء حول قضية معينة، وعلى الرغم من ذلك فقد تم توجيه تهمة مخالفة المادة 225 لأحد الصحافيين، مما جعل أغلب وسائل الإعلام المحلية تحجم عن نقل المعلومة والآراء حول قضية عامة تمس الأردنيين".

من جهته، أكد "مركز حماية وحرية الصحافيين" معارضته لأوامر وقرارات منع النشر واعتبرها تحد من حرية التعبير والاعلام في بيان صادر عنه في 4 اغسطس /آب الحالي. وقال إن منع النشر يُفترض أن ينحصر في محاضر التحقيق حتى لا يؤثر على سير العدالة، ولكن التوسع في فرض نطاق الحظر ليشمل ما يتعلق بالقضية بشكل شامل يمنع وصول المعلومات للمجتمع، ويحد من تدفق معلومات ذات مصداقية للناس، ويعد رقابة مسبقة تتعارض مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير.

وأكد "حماية الصحافيين" أن غياب وسائل الإعلام الوطنية عن تغطية التطورات المتعلقة بنقابة المعلمين يضر بصورة الأردن، ويفقد الجمهور ثقته بوسائل إعلامه ويدفعه للاعتماد في استقاء معلوماته من وسائل إعلام خارجية تنشر ما لا يمكن أن تنشره وسائل الإعلام المحلية. وقال المركز إن إخفاء المعلومات أو تجاهل الأحداث أصبح مستحيلا في ظل ثورة الاتصالات وتنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا فإن أوامر وقرارات للنشر لا يمكن إنفاذها وتطبيقها، والمتضرر الوحيد منها وسائل الإعلام المحلية. كما طالب وسائل الإعلام بالتأكيد على حقها بالتغطية وممارسة عملها ودورها، والتذكير بنصوص القانون وعدم الذهاب بالتفسير إلى مساحات تُهدر الحق في التعبير والنشر.

المساهمون