معلمو الأردن... السلطات توقف عمل النقابة وتمهد لأزمة

معلمو الأردن... السلطات توقف عمل النقابة وتمهد لأزمة

27 يوليو 2020
اصطدام على أعلى مستوى هذه المرة بين السلطات والمعلمين (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

أزمة جديدة بين السلطات الأردنية والمعلمين أطلت برأسها سريعاً مع نهاية الأسبوع الماضي، هذه المرة من باب النقابة التي أعلنت النيابة العامة عن وقف عملها، ما اعتبره كثيرون قراراً سياسياً

ما زالت تداعيات حملة الاقتحامات والاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الأمنية في الأردن، في مقار نقابة المعلمين، وصدور قرار من نائب عام عمّان بإغلاق هذه المقرات لمدة سنتين، تتفاعل، وقد بادر معلمون إلى الاعتصام أمام مقار فروع نقابة المعلمين الأردنيين في مختلف المحافظات، فيما امتنع معلمون عن إكمال عمليات وجلسات تصحيح امتحانات الثانوية العامة احتجاجاً على هذه الإجراءات. وصرّح نائب عام عمّان، حسن العبداللات، أنّه، ظهر السبت الماضي، جرت إحالة المشتكى عليهم أعضاء مجلس نقابة المعلمين، وعددهم ثلاثة عشر إلى مدعي عام عمّان بالقضايا التحقيقية المنظورة لديه بحقهم. وأكد العبداللات في تصريح صحافي، أنّه جرى استجوابهم وفق الأصول وبحضور وكيلهم القانوني، وبنتيجة الاستجواب فقد قرر المدعي العام توقيف كلّ واحد منهم لمدة أسبوع في مركز الإصلاح والتأهيل، مضيفاً أنّ التحقيق ما زال مستمراً بهذه القضايا.  

ورجح مراقبون أن تتسع الأزمة خلال الأيام المقبلة، خصوصاً أنّ نقابة المعلمين التي تأسست عام 2011 تضم أكثر من 120 ألف عضو، وهي أكبر النقابات لناحية المنتسبين إليها في الأردن، متوقعين حدوث أزمة كبيرة  قبل نحو شهر من بداية العام الدراسي الجديد، ما ينذر بأزمة شبيهة بإضراب المعلمين العام الماضي الذي كان الأطول بتاريخ المملكة، وقد تكون لها تداعيات سياسية.
هذا القرار يأتي بعد  شهر من سجال بين وزير الداخلية سلامة حماد، الذي تعهد باتخاذ إجراءات قانونية في حقّ نائب نقيب المعلمين، ناصر النواصرة، في حال تكرار تصريحاته التي عدّها حماد "مرفوضة" وهي التصريحات التي قال فيها النواصرة: "لو ارتدّت علينا الكرة الأرضية فلن نتنازل عن فلس واحد من علاوتنا". وقالت نقابة المعلمين إنّه جرى اقتحام مبنى النقابة الرئيسي في عمّان، وفروع أخرى. ونشرت صفحة النواصرة خبراً عن تعرضه للاعتقال مع أعضاء النقابة. وقالت الصفحة إنّه جرى اعتقال النواصرة وجميع أعضاء مجلس نقابة المعلمين وإغلاق المقر الرئيسي للنقابة وإغلاق جميع فروع النقابة، مضيفة أنّه تم إغلاق الأبواب على الموظفين والمراجعين والمتواجدين في النقابة، ومصادرة هواتفهم المحمولة.
مصدر في نقابة المعلمين قال إنّ الإغلاق ووقف العمل، استندا إلى قرار قضائي تحقيقي في قضية رفعها معلمون على النقابة تحتوي بنداً واحداً وهو المطالبة بحلّ مجلس النقابة، وإفقاد أعضائه عضويتهم في الهيئات الإدارية للنقابة كافة، بسبب التبرّع لصندوق "همّة وطن" الذي استحدثته الحكومة لمواجهة أزمة كورونا، بمبلغ نصف مليون دينار أردني (نحو 700 ألف دولار أميركي). وفي هذا الإطار، قال المتحدث الإعلامي باسم النقابة، نور الدين نديم، في تصريحات سابقة في يونيو/ حزيران الماضي لـ"العربي الجديد" إنّ "نقابة المعلمين اتّخذت كلّ الإجراءات القانونية من أجل إنهاء القضية المرفوعة على مجلسها أمام محكمة بداية عرب عمّان من قبل بعض أعضاء الهيئة المركزية بخصوص التبرّع لصندوق همّة وطن، وذلك بعد مشاورة المستشار القانوني للنقابة الذي طالب بعقد اجتماع للهيئة المركزية بهدف إيجاد مخرج قانوني لقرار التبرع. وقد فاز اقتراح المجلس بالتبرّع بالمبلغ المذكور، ما أدّى إلى تهدئة الميدان وعودة الأمور إلى وضعها الطبيعي وإيجاد مخرج قانوني للقضية، إلا في حال كانت ثمّة نيّة لحلّ المجلس من قبل الحكومة".
وأشعلت الاقتطاعات المالية من رواتب المعلمين فتيل الأزمة من جديد بين الحكومة والنقابة، فمنذ انتصار نقابة المعلمين الأردنيين في مواجهتها مع الحكومة، والحصول على مطالبها في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بقيت العلاقة متوترة بين الجانبين فيما التفاصيل شائكة والأزمة منتظرة. 

وقال العبداللات إنّ النيابة العامة نظرت في عدد من القضايا الجزائية التحقيقية بحق مجلس نقابة المعلمين وهي، أولاً: القضية التحقيقية المتعلّقة بالتجاوزات المالية المنظورة لدى مدعي عام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد. ثانياً: القضية التحقيقية والمنظورة لدى مدعي عام عمّان والمتعلّقة بالقرارات الصادرة عن مجلس النقابة والتي تمّ تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي واشتملت على إجراءات تحريضية. ثالثاً: القضية التحقيقية المتعلّقة بمقاطع الفيديو الصادرة عن نائب النقيب، والتي تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمنظورة لدى مدّعي عام عمّان. وأضاف العبداللات أنّه وبناءً على ما تقدّم، فقد قرّر المدّعون العامون إصدار مذكّرات إحضار بحقّ المشتكى عليهم أعضاء مجلس النقابة، ليصار إلى عرضهم على المدّعي العام المختصّ لاستجوابهم عن الجرائم المسندة إليهم. كذلك، قرّر المدعي العام كفّ يد أعضاء مجلس النقابة وأعضاء الهيئة المركزية، وهيئات الفروع وإداراتها ووقف النقابة عن العمل، وإغلاق مقارها لمدة سنتين، ومخاطبة وزير التربية والتعليم لإجراء المقتضى القانوني، في ما يتعلّق بتشكيل لجنة مؤقتة لتسيير أعمال النقابة إدارياً ومالياً. كذلك، منع النشر والتداول والتعليق في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كافة، باستثناء الجهة الرسمية المصرح لها بذلك حول هذه القضايا.
القرار الأخير لا يمكن النظر إليه بمعزل عن مشاركة نحو 2000 معلم، الأربعاء الماضي، في مسيرة طالبوا خلالها الحكومة بالالتزام بالاتفاقية الموقعة بين الطرفين في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وهي مسيرة دعا إليها عدد من المعلمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالقرب من مقر نقابتهم بالعاصمة عمّان. ورفع المعلمون في المسيرة التي تقدمها أعضاء مجلس النقابة، ونائب النقيب ناصر النواصرة، لافتات كتب عليها: "مجلس نقابة المعلمين خط أحمر"، و"العلاوة (زيادة الراتب) حق لا تنازل عنه". وخلال الوقفة قال النواصرة  في جزء من خطاب طويل: "نحن الدولة". وتطرق إلى خيارات النقابة لافتاً إلى أنّ "الاتفاقية وُقّعت في أكتوبر 2019، وهي اليوم معطلة، والعلاوة لا بد منها، والحديث عنها بأنّها مطلب أساسي هو للتشويه فقط".
وتقول الناشطة الحقوقية الأردنية، المحامية هالة عاهد، لـ"العربي الجديد"، إنّ هذا القرار غير قانوني أبداً، فقرار حلّ نقابة المعلمين ينبغي أن يكون خارج أيّ صلاحيات، ويجب أن يكون قراراً قضائياً، مشيرة إلى أنّ هذا القرار سابق لأوانه، وهو تعدٍّ على السلطة القضائية، والمعلمين ونقابتهم، وحقهم بالتنظيم. وتضيف: "إذا كانت هناك إجراءات تحقيق تستدعي وقف وكفّ يد أعضاء مجلس النقابة عن ملفات النقابة بتهم الفساد كان يمكن اتخاذ هذا الإجراء في كفّ يد أعضاء المجلس مقتصراً على ذلك، وهو ما سيكون مفهوماً، لكن لا يجوز إغلاق النقابة سنتين" متسائلة: "هل يفترض القرار استمرار التحقيقات في القضية لمدة سنتين؟ هذا دليل على التعسف". وحول قرار منع النشر في القضية، تقول عاهد: "لا يحق منع نشر سوى محاضر التحقيق، وطالما أنّ القضية منظورة أمام المدعي العام، يجوز النشر بشكل عام وهذا المنع تعدٍّ على حق الناس بالحصول على المعلومات، وعلى حرية الرأي والتعبير. تتابع أنّه من الواضح أنّ الحكومة تريد خوض معركة مع النقابة، لافتة إلى أنّ على النقابة أن تتخذ الإجراءات القانونية الممكنة من أجل الطعن بالقرار ووقف تنفيذه، والتأكيد على الحصول على محاكمة عادلة.

من جهته، يقول الكاتب والصحافي الأردني، الخبير في الشؤون النقابية، محمد سويدان لـ"العربي الجديد" إنّ الإجراء مفاجئ، ولم يكن متوقعاً بالرغم من التمهيد الحكومي له. يضيف أنّه كان من المفروض أن تسير الأمور بالشكل الطبيعي فالطلبات تتعلق بالعلاوة ويمكن أن تُحلّ الخلافات بالحوار، لكنّ الحكومة اليوم غير قادرة على تحمل النقابة. ويعبر عن اعتقاده أنّ الحكومة كان بإمكانها التعامل بطريقة أفضل مع القضية، وألا تغلق باب الحوار بالرغم من الانتقادات لتصريحات نائب النقيب. ويتابع: "من الواضح أنّ هذه الخطوة ستساهم بخلق أزمة كبيرة خلال الفترة المقبلة، كان يمكن تجاوزها، خصوصاً في ظلّ الاتفاقية بين الحكومة والنقابة بشأن العلاوة التي يطالب بها المعلمون". يتابع أنّ النقابة جديدة، ولم تقع خلال السنوات الماضية أحداث مشابهة، مع نقابات أخرى، ولم يكن هناك تضييق على القضايا النقابية، وما حدث سابقاً كان مرتبطاً بمطالب سياسية وأبرزها قضايا مقاومة التطبيع.

المساهمون