قصص نحيلة

05 مارس 2015

محمود درويش: لا أريد من الحب غير البداية.

+ الخط -
هيييه دنيا!
أعطيت وصيتي للمحامي. قرأها بإمعان، ثم وقف ليضعها في الخزنة، متنهداً ومتصنعاً التأثر العميق، وهو يقول لي: "ماكانش ليه لازمة إنك تكتبها بدري والله.. إنما عندك حق، ما حدش ضامن عمره". كان حريصاً على حجب الخزنة بجسده، لكي لا أتبين أرقامها، في نفس الوقت الذي كان يقول فيه "الدنيا دي ولا تسوى.. ما حدش واخد منها حاجة". وحين سمع صوت ضحكتي المُطعّمة بشخرة خفيفة، أقفل الخزنة، واستدار نحوي، وهو يضيف ضاحكاً: "غير أتعابه".
----
الناس لبعضها
منذ أن خَلَعت النضارة الشمسية للحظة، ثم أعادت ارتداءها سريعاً، وأنا لا يشغلني سوى البحث عن طريقة لإقناعها بأن تخلع النضارة التي تخفي بهاء وجهها الجميل، وتحجب جمال عينيها اللتين خُلقت لهما أغنية "داري العيون داريها"، قررت أن أجري وراء النزوة التي تملكتني. اتجهت نحوها متسلحاً بكارت ابن خالتي، صاحب محل النضارات، تجاهلتُ تجاهلها لي، بعد أن أصبحت واقفاً فوق رأسها، متسلحاً بأعرض ابتسامة لديّ، وأنا أمد يدي لها بالكارت، معرباً عن استعدادي لأي خدمة، تخص النضارات الشمسية. لم تتطاول عليّ كما تخيلت، ولو فعلت لكان أرحم من صدمة اكتشافي أنها لا ترتدي نضارتها زينة، بل لتخفي عدم قدرتها على الإبصار، ووقع الصدمة جعلني أتذكر بعد ساعات من مغادرة الكافيه أن لأبي صديقاً من أبرع أطباء العيون.
------
قال الشاعر
محمود درويش دون غيره، كان السبب الذي جعل حبنا ينمو ويترعرع ويزدهر حتى الآن. منذ عرفتها قبل أشهر، ظللنا نتبادل، كل يوم، قصائده المتاحة على اليوتيوب بأنواعها كافة: القصائد التي صورت له في الأمسيات الشعرية والبرامج التلفزيونية، والقصائد التي ألقاها بصوته فقط، ثم أخرجها أحدهم، بعد وضع صورته وموسيقى للثلاثي جبران، أو لمارسيل خليفة، والقصائد التي تُكتب كلماتها فقط على الشاشة، لأنها غير متاحة بصوته، كنت أختار لها من بين كل هذا كل يوم شعراً لدرويش، يعبر عن مشاعري نحوها، فتبادلني بشعر لدرويش، يؤكد أنها تبادلني نفس المشاعر، وربما كانت علاقتنا مستمرة حتى الآن، لأنني لم أقل لها أبداً، ولا أنوي أن أقول لها قريباً، إن أكثر ما يعجبني من شعر درويش قوله: "لا أريد من الحب غير البداية".
--------
انسحاق عاطفي
تعرفين؟ اليوم وأنا صائم ووسط جوعي وعطشي وعرقي وتعبي وزهقي ونظري الدائم إلى الساعة، تذكرتكِ، وتذكرت كل أيامنا الجميلة معاً، تذكرتها كأنها كانت بالأمس القريب، ولم يمر عليها كل هذا الزمن، وأدركت أني لم أنسك أبداً، كما كنت أقول لنفسي، وأنني لا زلت أفتقدك كلحظة فراقنا بالضبط. تعرفين؟ اليوم فقط شعرت بذلك الحنين الغامر الذي يكتبون عنه في الروايات، فنستغرب مبالغتهم في وصفه، والحنين جرفني فبكيت. ووسط دموعي المنهمرة، دعوت لك من قلبي "يا رب تشرقي وتموتي وإنتي بتفطري يا بنت الكلب". ليس لأنني أكرهك، وليس لأن هجرك لي لا زال يوجعني، وليس لأني أكره دوام ضعفي نحوكِ. ولكن، لكي أجرب هل سيزيد الموت من افتقادي لك، أم أن وجع غيابك عن الدنيا كلها لن يفرق كثيراً عن وجع غيابك عن دنياي.
---------
ساعة استجابة
قررت أمه تكثيف دعائها بأن يصلح الله حاله، فقط ليكف الجيران عن الشكوى الدائمة من أفعاله الهوجاء التي تقلب دائماً بـ "غم بين العيال"، كانت تدعو له، ككل الأمهات، بين حين وآخر، لكنها، للأمانة، لم تكن تدعو بشكل منهجي منظم. ولذلك، قررت تغيير أسلوبها بأن تدعو له، تحديداً في يوم الجمعة الذي كانت قد سمعت في (إذاعة القرآن الكريم) أن به ساعة استجابة. كانت تختار كل جمعة ساعة معينة، تدعو له طيلتها بحرقة شديدة، ثم في الجمعة التالية، تدعو له طوال ساعة مختلفة، وعندما عاد لها في الجمعة الخامسة والعشرين كعادته، مضروباً ممزق الملابس منكوش الشعر نازف الأنف، كانت لا تزال مستقرة على سجادة الصلاة، "حَدَفته" بفردة الشبشب القريبة منها، وهي تقول له "إنت مش نافع مع أمك دعا الجمعة ده خالص، تبقى تستنى رمضان لما أشوف آخرتها معاك".
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.