قارئك من صدقك

قارئك من صدقك

10 سبتمبر 2020

(لؤي كيالي)

+ الخط -

تجربة الكتابة من التجارب التي يمكن للكاتب أن يصحح أخطاءه فيها، إن كان موهوبا، بشكل يتفوّق فيه على نفسه بشرط أن يواجهها منذ البداية، ويؤمن بأهمية تصحيحها، وبما يتوازى مع حجم موهبته فيها! نشرت في حسابي على "تويتر"، بعد جولة لي في إحدى دورات معرض الكتب في الكويت، قبل موسم كورونا، تغريدةً انتقدت فيها كتابا لأحد الشباب منشورا من دون أي مراجعة أسلوبية أو نحوية أو لغوية أو حتى إملائية، وأرفقت بالتغريدة صوراً لبعض الصفحات المليئة بالأخطاء، نموذجا لبقية صفحات الكتاب، وتعمّدت ألا أذكر عنوان الكتاب ولا اسم الكاتب، فليس هدفي تكسير المجاديف لهؤلاء الشباب.

عدت إلى التغريدة، بعد تفاعلٍ كبير أخذته، تعدّى أحيانا حدود النقد المعقول والمباح، ليكون هجوما وسخرية وتنمّرا ضد الكاتب، وهذا ما لم أقصد الذهاب إليه، وما لا يسعدني أبدا. وربما لهذا عدت إلى الكتاب وقرأته من جديد، فوجدت، هذه المرة، فكرة جميلة شوّهتها الأخطاء المطبعية والإملائية والنحوية والأسلوبية وأشياء أخرى، ليس الكاتب مسؤولا عنها كلها. ولذلك أعتبر الكاتب هنا ضحية لدار النشر التي نشرت الكتاب، من دون أن تمرّره على محرّر أو حتى مدقق، على الرغم من أنها تعرف أن هذه تجربة مبكّرة للمؤلف. ومعروفٌ أن التدقيق والتحرير من مهمات الناشر، حتى وإن حرص المؤلف على القيام بها، لكننا للأسف اكتشفنا دور نشر لا يهمها سوى الطباعة الأنيقة والأغلفة الجميلة، وربما العناوين اللافتة، من دون اهتمام بالأهم والمبدئي!

لم أذكر اسم الكتاب ولا اسم الكاتب (ولم أبين إن كان كاتبا أم كاتبة)، لأنني مؤمنة بأننا كلنا مررنا بأخطاء البدايات. وبعض الكتاب الكبار جدا الآن كان قد مر بما هو أسوأ من تلك الصفحات، ولكن الفرق أنه وجد من يصحّح له ويراجع وراءه ويحرّر ويدقق ما يكتبه وينصحه بموعد النشر المناسب ودار النشر الحريصة على من تنشر لهم. 

أما لماذا أشرت إلى بعض الأخطاء من هذا الكتاب بالذات، فلأن إحدى الصديقات اللواتي أثق بآرائهن في القراءة، لفتت نظري إليه، نموذجا فقط، على كتبٍ مشابهةٍ له في ذلك المعرض. وهذا جزء من دورنا الثقافي العام؛ التنبيه والتنويه ولفت النظر وانتقاد الأخطاء من دون المطالبة بالمنع، فلكل امرئٍ حقه الكامل في تجريب الكتابة، وفق ما يراه مناسبا، شرط أن يتحمّل قراءة وسماع آراء الآخرين عنها وحولها، فبمثل هذا الحراك تنضج التجارب وتنصقل المواهب عادة.

أما هذا الكاتب (أو الكاتبة)، فلم يجد سوى من استغلّ حماسه وشغفه بفكرة الكتابة، وأنا واثقة بأنه سيتجاوز تلك الأخطاء وقريبا جدا. ليس لأنه يملك من الشغف ما يدفعه إلى ذلك وحسب، ولكن أيضا لأنه واجه نفسه، وهاتفني، بكل أدبٍ وذوق، ممتنّا ومن دون أن يظهر أي انزعاج، لأنني توقفت عند أخطائه. وهذا سلوكٌ كبيرٌ ونادرٌ قلما يقوم به إلا الحقيقيون والواثقون من أنفسهم والحريصون على التعلم من التجارب مهما كانت صعبة. وعلى الرغم من تأثره الكبير، ليس بالتغريدة، ولكن ببعض التعليقات التي قسا فيها أصحابها عليه بسبب التغريدة، فقد تحامل على نفسه، وبحث عن رقم هاتفي، ليتصل بي، ويشرح لي، بهدوء وأدب جم، بعض الملابسات والظروف التي تمت بها طباعة الكتاب ونشره. 

أنا الآن متحمسة جدا لقراءة التجربة الجديدة لهذا الكاتب الشاب، والتي لدي ما يشبه اليقين أنها ستكون أفضل بكثير من تلك التجربة البائسة، وستحقّق من النجاح والرواج أيضا ما يمحو أثر التجربة الأولى وتداعياتها المؤسفة في نفس المؤلف والقرّاء أيضا. 

ولهذا أقول لنفسي وللشباب وللكبار أيضا: لا تنفروا من النقد مهما كان قاسيا، فقارئك من صدقك، لا من صدّقك.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.