في وداع 2015

في وداع 2015

02 يناير 2016
+ الخط -
رحل عام 2015، وطوى دفاتره تاركاً وراءه أسئلة حارقة، عن حروب دقت طبولها ونزاعات وانقسامات داخلية ذاقت دول وشعوب مرارتها. مضى حافلاً بالأزمات، وأطل العام الجديد، مع شعور بانعدام الأمن وطغيان خطابات الكراهية والعداوات والطائفية المستشرية، ناهيك عن الفقر والمجاعات، وظهور أمراض وأوبئة غير معروفة، ظنت البشرية أنها تجاوزتها منذ عقود.
غادرنا عام 2015 وجراحنا العربية مفتوحة، تحطمت أحلامنا في بناء أوطان حقيقية، وبناء مجتمعات مدنية متحضرة، زاهرة بالعلم والتعددية السياسية والفكرية والرخاء الاقتصادي، عندما صحونا على مشهد أسوأ مما كنّا فيه، زمن الأنظمة الديكتاتورية، بعد أن تزايدت مظاهر الفتنة الطائفية، وتنامى الاصطفاف المذهبي بين مكونات الأمة، ووطننا العربي غارق في الأصوليات والانتماءات الهوياتية، وأصبحت الشعوب متوترة ومضطربة، تعاني القلق من المستقبل، بعد أن بدأت انقسامات تنخر مجتمعاتنا.
ودعنا عام 2015 والفوضى والتخبّط والموت والدمار، وأزيز الرصاص والمتفجّرات، تعنون واقعنا. أضاعت مصر البوصلة وتحطمت انتصارات ثورة 25 يناير تحت أقدام القمع والعسكر. استمر مسلسل الاقتتال الدموي في سورية، وبعد نحو خمس سنوات، أصبحت أرض الشام مرتعاً للجماعات المسلحة المتشددة، وملعباً للقوى المتصارعة. سورية تحترق بنار جيشها، ومشهدها أقرب ما يكون إلى حرب أهليّة.
كان 2015 شاهدًا على تدهور الأوضاع في اليمن الذي لم يعد سعيداً، وليبيا الجديدة تتخطفها رجالات القبائل والمليشيات، ولم يستطع الثوّار بناء دولة، أو شبه دولة، وأطراف خارجية تتدخل من أجل تغذية الصراع، مما جعل ليبيا ما بعد معمر القذافي ساحة للجماعات المتطرفة. أما تونس بوعزيزي فنراها تواجه تحديات أمنيّة، والعراق جرح عربي نازف، ينوء بثقل حكّامه الفاسدين وما أكثرهم، ازدهرت فيه تجارة الموت والقتل، وعلت على مشاهدها أصوات التفرقة والطائفية البغيضة والمدمرة. وجيوشنا العربية الباسلة أصبحت شرطة وحرس سجون.
يجري الفلسطينيون في استقبال العام الجديد جردة حساب يعيدون بها قراءة واقعهم وحاضرهم ومستقبلهم، ماذا أنجزوا في العام الماضي؟ وأين أخفقوا؟ وأين أصابوا؟ الأوضاع تراوح مكانها، العزلة ما زالت مفروضة على غزة التي تعاني حصاراً لا يرحم، والضفة الغربية تحت نير الاحتلال، ومفاوضات السلام مع الإسرائيليين لم تحقق أي نتائج إيجابية، والمصالحة ما زالت بعيدة.
مضى عام 2015 بكل ما فيه، غصاته وآلامه وأحزانه، غادرنا وأجراس التقسيم والتفتيت لوطننا العربي تقرع بقوة، وتهدد بتفشي مزيد من الوهن والضعف في الجسد العربي. رحل وعيوننا لا تريد تصديق أن مشارط وسكاكين أخرى بانتظار هذا الجسد الهائل والخامل الذي تتحكم به قوى استملكت أوطاننا وطوبتها باسمها، وجعلتها مجرد أسواق، تتاجر بها وبأرواحنا! وإذا لم نفعّل خياراتنا الاستراتيجية، ونقوّي إرادتنا، ونشهر مقاومتنا، ونخرج من قمقم الخوف والرعب والعجز والهزيمة والتخاذل، وأن نحرر خياراتنا السياسية، فإننا سنغادره والحال على حاله.
أين نحن وفي أي سوق؟ أين موقعنا، نحن العرب، في خارطة العالم علمياً وصناعياً وبحثياً، أين نحن من التقدم الحضاري في العالم؟ نتلمس الإجابة على هذا السؤال وعام 2015 طوي أيامه بروزنامة حبلى ومليئة بالتداعيات والتنبؤات باشتعال حروب أهلية، يسقط فيها مزيد من الضحايا والأبرياء على امتداد الجغرافيا المهددة بالتقسيم والمعبّدة بلون الدم.
رحل العام، وأحوالنا في آخر أيامه مشابهة لما كانت في اليوم الأول منه، الأحوال كانت صعبة فيه، عبرت إلى العام الجديد من دون أن تستأذنه، أو تنتظر موافقتنا ورغباتنا وطموحاتنا! الهموم والشجون ستبقى، وسنُرحّلها عاماً بعد عام، ونحن ندفع أثماناً باهظة لعدم قدرتنا على إيجاد حلول جذرية لمشكلاتنا وأزماتنا وصراعاتنا الممتدة من الخليج حتى المحيط. على أعتاب العام، نحلم بإشراقة شمس من خلف غيوم المأساة العربية والإنسانية، وتكون على
مستوى تمنياتنا المتواضعة.

3467CF47-90FA-451A-87BD-72D9E261E143
خالد وليد محمود

كاتب وباحث، نشرت دراسات ومقالات عديدة. وله الكتب "شبكات التّواصل الاجتماعي وديناميكية التّغيير في العالم العربيّ" و"آفاق الأمن الإسرائيلي: الواقع والمستقبل" و"مراكز البحوث في الوطن العربي" و"قلاع اللغة العربية ورياح الثورة الاعلامية". ماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأردنيّة.