عن مؤشّر الذكاء الاصطناعي 2023

عن مؤشّر الذكاء الاصطناعي 2023

10 يوليو 2023
+ الخط -

كشفت جامعة ستانفورد، أخيراً، عن تقرير مؤشّر الذكاء الاصطناعي لعام 2023، والذي جاء بحدود 350 صفحة، مستكشفاً أحدث التطوّرات والمخاطر والفرص في مجال الذكاء الاصطناعي المزدهر وتأثير التكنولوجيا على المجتمع.
يعد التقرير المستند إلى البيانات ومئات الخبراء بمثابة الغوص العميق في ثمانية موضوعات ذات صلة بالذكاء الاصطناعي، مثل البحث والتطوير والأداء الفني والأخلاق والبيئة والسياسة والرأي العام والاقتصاد، ويتطرّق إلى مجموعة متنوعة من الموارد، مثل منشورات الذكاء الاصطناعي ومقالات المجلات والمستودعات الرقمية وأنظمة التعلم الآلي على شاكلة نماذج اللغات الكبيرة مثل ChatGPT، ومروحة واسعة من الموضوعات الأخرى، بما في ذلك تكلفة التدريب على الذكاء الاصطناعي، والجهود المبذولة للتخفيف من التحيّز في النماذج اللغوية وتأثير التكنولوجيا على السياسة العامة، وليس انتهاءً بالشبكات العصبية المُحسَّنة لتوليد الصور.
أحد الأرقام الملفتة في المؤشّر (الموجّه إلى صانعي القرار من أجل مساعدتهم من اتخاذ إجراءاتٍ هادفةٍ للنهوض بهذا القطاع وفق مسؤولية أخلاقية مع وضع البشر في الاعتبار) أن 36% من المستطلعة آراؤهم رأوا أن القرارات التي يتّخذها الذكاء الاصطناعي قد تؤدّي إلى كارثةٍ على المستوى النووي، بينما قال 73% إنها يمكن أن تؤدّي قريباً إلى "تغيير مجتمعي ثوري". واستمع الاستطلاع إلى 327 خبيراً في معالجة اللغة باعتباره من فروع علوم الكمبيوتر الخاصة بتطوير روبوتات الدردشة مثل GPT-4. وهنا بدا الأميركيون أكثر حذراً بشكل خاص من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث وافق 35% فقط على أن "للمنتجات والخدمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي فوائد أكثر من العيوب"، مقارنة بـ 78% من المشاركين الصينيين، وحوالي 76٪ من السعوديين، و71٪ من الهنود. كما أفاد تقرير ستانفورد أيضاً بأن عدد "الحوادث والخلافات" المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد زاد 26 مرّة خلال العقد الماضي. وقد ركّز المؤشّر على نقطة مهمة، وهي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الفنية، والتي تمثل مصدر قلق كبيراً، فيما يتعلق بتطبيقات هذا المجال، حيث تجتمع الحكومات معاً لإنشاء تشريعات وأطر عمل ومعايير لحوكمة الذكاء الاصطناعي.

تهيمن الولايات المتحدة والصين على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي

منذ عام 2012، ارتفع معدّل الحوادث والخلافات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي 26 مرّة، وتعكس هذه الطفرة اعتماداً أكبر لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وفهماً متزايداً لإمكانية إساءة استخدامها كما بلغ الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي عام 2022 في جميع أنحاء العالم حوالي 91.9 مليار دولار؛ وزادت نسبة الشركات التي تطبّق تقنية الذكاء الاصطناعي في عام 2022 بأكثر من الضعف، مقارنة بعام 2017.
كما هو معروفٌ حالياً، تهيمن الولايات المتحدة والصين على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي. وكما جاء أعلاه، يُلفت المؤشّر إلى أن المواطنين الصينيين هم من بين أكثر الدول إيجابية فيما يتعلق بمنتجات الذكاء الاصطناعية وخدماته مقارنة بالأميركيين، فالصين تنشر الروبوتات الصناعية القائمة على الذكاء الاصطناعي أكثر من أي دولة أخرى. ونتيجة لذلك، بلغت قيمة أبرز خمس شركات صينية في هذا المجال ما يقرب من 120 مليار دولار. وحسب خطّة بكين الرئيسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فقد وضعت جملة من الأهداف، في مقدّمها أن تبلغ إيرادات بكين، وبحلول عام 2025، من سوق الذكاء الاصطناعي حوالي 400 مليار يوان (64 مليار دولار)، فضلاً عن أنها تخطّط لتحقيق "إنجازات تكنولوجية ضخمة". وتهيمن على الصناعة في سوق الذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس التالية، بمبيعاتٍ تصل إلى تريليون يوان.
لكن المؤشّرات القياسية تضع الولايات المتحدة في موقع الصدارة في سباق الذكاء الاصطناعي على الصين، إذ إن أكبر ميزةٍ لواشنطن هي وادي السيليكون الذي يمكن القول إنه أكبر نقطة ساخنة لريادة الأعمال في العالم، فهو مسقط رأس عمالقة شركات التكنولوجيا، مثل غوغل وآبل وإنتل وميتا التي ساعدت جميعها في تشكيل الفضاء السيبراني والحياة الرقمية العصرية. كما يلاحظ تسجيل الولايات المتحدة قفزة مهمة في نسبة خرّيجي الدكتوراه الجدد من الأميركيين المتخصّصين في الذكاء الاصطناعي إلى 19.1٪ في عام 2021، من 14.9٪ في عام 2020 و10.2٪ في عام 2010، وتواصل الحكومة الأميركية زيادة الإنفاق على برامج الذكاء الاصطناعي، لا سيما في قطاع التعليم. منذ عام 2017، زاد حجم الإنفاق التعاقدي المتعلّق بالذكاء الاصطناعي التابع للحكومة الأميركية بمقدار 2.5 مرّة تقريباً.

يُؤمل أن تلحق دول عربية أخرى من خلال البدء بتقليل الفجوة الرقمية والتعليمية لمواطنيها

بشكلٍ عام، يعدّ تقرير مؤشّر الذكاء الاصطناعي لعام 2023 مصدراً أساسياً لأي شخصٍ مهتم بمستقبل الذكاء الاصطناعي، فهو يقدّم رؤىً وبيانات قيّمة لإثراء التفكير والتخطيط في هذا السباق الذي يضع المعمورة أمام تحوّلاتٍ جذريةٍ وكبرى في مختلف القطاعات: من التعليم، والرعاية الصحية، إلى النقل العام، والأعمال التجارية، والترفيه، والحرب، وغيرها. لذلك تحوّل هذا القطاع إلى حلبة تنافسٍ رئيسية بين الدول، لا سيما بين واشنطن وبكين ودول أخرى ما زالت تتلمّس طريقها في تحديد أولوياتها وخططها، سواء على صعيد الاستراتيجيات أو الخطاب والمؤسّسات وحتى البحث والتدريس أو التركيز على التنافسية بهذا السباق الذي تتوقّع أرقام (Grand View Research) أن تتجاوز قيمة الذكاء الاصطناعي السوقية عالمياً حوالي 1.7 تريليون دولار في عام 2030. 
عربياً، ثمّة تقدّمٌ لدول خليجية، مثل السعودية وقطر والإمارات، في هذا العالم من خلال تبنّيها استراتيجياتٍ تسعى عبرها إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط والاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بمجالاتٍ متعدّدة، بينها الصحة والتعليم والإعلام والصناعة والقطاع المالي، واستقطاب المواهب وتهيئة البنية التحتية وجذب استثماراتٍ كبيرة. ويُؤمل أن تلحق دولٌ عربيةٌ أخرى من خلال البدء بتقليل الفجوة الرقمية والتعليمية لمواطنيها، فهذا الأمر يلعب دوراً مؤثّراً في إدارة المخاطر المحتملة التي قد تواجهها هذه الدول التي يصعُب عليها بدون الأدوات المساعدة لها على الابتكار، أن تسير بركْب البلدان المتقدّمة تكنولوجيا، وأن تضع قدماً لها في مستقبل صناعة الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.

3467CF47-90FA-451A-87BD-72D9E261E143
خالد وليد محمود

كاتب وباحث، نشرت دراسات ومقالات عديدة. وله الكتب "شبكات التّواصل الاجتماعي وديناميكية التّغيير في العالم العربيّ" و"آفاق الأمن الإسرائيلي: الواقع والمستقبل" و"مراكز البحوث في الوطن العربي" و"قلاع اللغة العربية ورياح الثورة الاعلامية". ماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأردنيّة.