في الشكل الجديد للغنوشي

في الشكل الجديد للغنوشي

06 اغسطس 2017
الغنوشي في حوار على قناة "نسمة" مطلع أغسطس(العربي الجديد)
+ الخط -
أربك الشكل الجديد لرئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، المشهد السياسي التونسي، وتعددت تأويلات ذلك بحسب مواقع المعلقين وانتماءاتهم. وشكّل ظهور الغنوشي لأول مرة بربطة عنق مصدر استغراب وتساؤل، بعد عقود من ظهوره من دونها، ما بدا أمراً مفهوماً جداً، خصوصاً أن صورة السياسي تحمل مقاصدها ودلالاتها التي يمكن تلمّسها من خلال تعليقات قيادات "النهضة" نفسها. وكان ذلك منتظراً، لا سيما أن الغنوشي أردف هذا الظهور بالحديث عن انتخابات 2019 الرئاسية. وكان من الطبيعي جداً أن تذهب أغلب التأويلات في اتجاه نوايا الغنوشي للمنافسة في هذا المجال، على الرغم من أن ذلك غير مرجّح سياسياً، لأسباب معلومة من الجميع، لعل أهمها عدم طرح الموضوع أساساً في كواليس "النهضة" ومؤسساتها، وابتعاد موعد 2019 وعدم معرفة من سيترشح ومن سينسحب. ومن غير المعروف أصلاً ما إذا كان لحركة "النهضة" مصلحة في ذلك، وهي بالمناسبة غير موجودة، بل لعل أضرارها أكثر من منافعها بكثير، وهو ما تدركه أغلب قيادات "النهضة".

ولعل "كرافات" الغنوشي أحدثت صدمة نفسية أكثر من تلك التي أحدثها مؤتمر "النهضة" العام الماضي وقرارها التخلي عن العمل الدعوي. لكن الغريب هو أن التونسيين كانوا يعيبون في نفس الوقت على الرئيس السابق، منصف المرزوقي، عدم ارتدائه ربطة العنق، في علاقة بالصورة النمطية لرئيس الجمهورية، والتي تعوّدت عليها أغلب شعوب العالم، وهو نفس السبب الذي غذى هذا النقاش اليوم.

ولكن "كرافات" الغنوشي جاءت في نفس الوقت لتعرّي جزءاً من المسرح السياسي التونسي، وأخرجت، بفضل التصريحات المرافقة، نقاشات الكواليس إلى العلن، ودفعت بذلك في اتجاه تشكيل مشهد سياسي جديد، وفيها ما يتعلق بالحكومة ورئيسها، يوسف الشاهد، وفيها ما يتعلق بالائتلاف الحكومي، ولعل من أهمها اقتراب حزب "آفاق تونس" من باب الخروج، واقتراب "الوطني الحر" من العودة إلى التحالف الحكومي. لكن أفضل وأهم ما كشفته "الكرافات الزرقاء" هو الرباط المتين بين الغنوشي والرئيس الباجي قائد السبسي، ودخوله مرحلة جديدة تنبئ بصعود التوافق إلى درجة أعلى، وصلت على ما يبدو حد تبادل الأدوار وتبني المواقف المتبادلة بالنيابة. فقد قال السبسي أحياناً، ما كان ينوي الغنوشي قوله، ونطق الأخير بما يثلج صدر حليفه، ولعلها حكمة الشيوخ، أو هي رغبات الأولاد.