فيلق القدس والمشروع الإيراني

فيلق القدس والمشروع الإيراني

30 يوليو 2015

من عناصر الحرس الثوري الإيراني في استعراض عسكري (Getty)

+ الخط -
في لقاء خاص بالتلفزيون "العربي"، تحدث الرئيس الإيراني الأسبق، أبو الحسن بني صدر، عن ظروف تشكيل قوات الحرس الثوري في إيران، إبّان الثورة التي أطاحت الشاه عام 1979، وأبرز المهمة الرئيسة لهذه القوات، والتي أطلق عليها أيضا "قوات القدس" و"حرس الباسداران"، فقال "شكلت إيران قوات القدس لغرض التدخل في شؤون الدول الأخرى، فهذه القوات تعمل خارج حدود إيران، هذا وارد في تعريف مهام هذه القوات، وإذا ما راجعتم الصحف في إيران الآن؛ فهي تنشر إشادات بحق قاسم سليماني، ويروجون أنه الرجل الأول في الشرق الأوسط بأكمله، وأن تنظيم داعش يرتجف خوفا منه". 
وكان قائد الحرس الثوري الإيراني، الفريق محمد علي جعفري، والذي تؤكد المعارضة الإيرانية في الخارج أنه المسؤول عن عملياتٍ كثيرة للحرس الثوري السرية في الخارج، صرح في 11/ 4/ 2011، بأن "تغييرات بنيوية في أهداف وطريقة عمل قوات القدس تم إجراؤها لمواكبة التطورات في المنطقة والعالم"، ومن سير الأحداث المعلنة، أو تلك التي تقبع في ملفات المؤسسات الأمنية في دول إقليمية عدة، وخصوصاً في دول الخليج العربي، نعرف مدى جدية هذا التصريح وإسقاطاته على الأرض، سواء العسكرية المباشرة كما الحال في العراق وسورية، أم بشكل غير مباشر، كما هو الحال في لبنان واليمن، أو من خلال نشاطاته الاستخباراتية، وإعداد الخلايا النائمة لزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي في دول خليجية، كالكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية وغيرها.
قوات القدس جزء رئيسي من وحدات الحرس الثوري الإيراني، وتقدر مصادر عدد عناصرها بنحو 25 ألف عنصر، ومهمتها الرئيسية هي القيام بواجبات استخباراتية وتأسيس الحركات المسلحة وغير المسلحة ذات الغطاء الديني ودعمها، وكذلك الإشراف على تنفيذ عمليات سرية نوعية، كالاغتيالات وتفجير الأماكن والمقرات والسيارات وغيرها، وينسب لهذه القوات الدور الأبرز في تأسيس أحزاب ذات مليشيات مطلقة الولاء لإيران، في لبنان واليمن والعراق وأفغانستان والبحرين وغيرها، وقد كان لها الدور الأكبر في عمليات تمكين المليشيا الشيعية في العراق، والتي تدربت مسبقا في معسكراتها، من السيطرة على مقدرات الأمور الأمنية، بعد أن ألغى الدولة بمؤسساتها كافة الحاكم المدني للاحتلال الأميركي، بول بريمر. ويذكر قادة وخبراء عاملون في العراق بعد احتلاله أن قوات القدس "نقلت أسلحة للشيعة في العراق، شملت نقل بعض المكونات المتقدمة لصنع أجهزة التفجير المرتجلة، أو المكونات المستخدمة في صنع المتفجرات، بما فيها قطع تجميع الأسلحة والوصلات اللاسلكية المستخدمة لتفعيل هذه الأجهزة، وتحريك الآليات العاملة بالأشعة تحت الحمراء".

ووفق معلومات ذكرها لي أحد مسؤولي جهاز المخابرات العراقي الذي شكلّ إبّان الاحتلال وبإشراف أميركي، وكان مسؤولا عن شعبة إيران في الجهاز، قال إن شعبته كانت تمتلك الأدلة المادية واعترافات عدد ممن ألقي القبض عليهم قبل تنفيذهم عمليات تخريبية في العراق وبعده، وكذلك كميات من الأسلحة والتجهيزات إيرانية الصنع، كلها كانت تفضي إلى حقيقة واحدة، هي أن كل الاغتيالات والتفجيرات التي حدثت في العراق، هي بتدبير وتنفيذ مباشر من قوات القدس أو المليشيا العراقية المجندة لها"، وهذا ما أكدته أيضا وثائق لموقع ويكليكس، نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في 23/ 10/ 2010.
قد يكون وجود تنظيم "داعش" في المنطقة، الآن، سببا للفت الانتباه إلى حجم التسلل الإيراني بعباءة قوات القدس إلى داخل البيت العربي، ممثلا بدول عربية عديدة، لعل من أبرزها الآن، وبعد أن باتت الأوضاع في العراق وسورية ولبنان واليمن في معترك واضح، هي المملكة العربية السعودية والكويت؛ فقد انشغلت دوائر الرصد والمتابعة لمراقبة حركة تنظيم الدولة الإسلامية في بلدانها، وإعلان حالة الإنذار الأمني تحسبا لتحركاته، كالتي حدثت في المنطقة الشرقية في المملكة، أو تلك التي حدثت عند تفجير مسجد للشيعة في الكويت، وهو ما يحتاجه تحديدا قائد قوات القدس الإيرانية ليكسب بعض الوقت والفرص بتمكين عناصرهم هناك، أو من أبناء دول خليجية (سعوديون، كويتيون، بحرينيون، إماراتيون)، يتلقون تدريباتهم في لبنان وإيران، استعدادا لتنفيذ خطط وضعتها قيادة الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية لإثارة القلاقل والفتن في هذه الدول. ولا يجب أن نستبعد أبدا تدبير (الفيلق) تفجيرات ضد أهداف (شيعية) داخل دول عديدة، وإعلان مسؤولية "داعش" عنها، لتثبيت حالة من المظلومية بحق (الشيعة) في بلدانهم، ولإحداث حالة من طلب الدعم من راعية "إمبراطورية المذهب"، وهو ما يسهّل تجنيد هؤلاء (الشيعة) وتوجيههم للانتقام من مؤسسات دولتهم أو (الثورة) لاحقاً.
ليست قوات (فيلق) القدس ذراعا ثانوية في مؤسسة الحكم في إيران، بل هي ذراع قوية ورئيسية في تحقيق رؤية الخميني لتصدير الثورة، ولعل وجود قيادات في السلك الدبلوماسي الإيراني تعمل لصالح برنامج هذه القوات يوضح حجم النفوذ الذي بلغته داخل المؤسسة الحاكمة. ونتذكّر هنا قرار الحكومة الكويتية طرد ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين، لتورطهم في دعم وتوجيه شبكات للتجسس تابعة للحرس الثوري، أوردت صحيفة القبس الكويتية في 19/ 4/ 2011 أنها ثمانية. كما أبعدت السلطات البحرينية دبلوماسياً إيرانياً للسبب نفسه، في العام نفسه، إضافة إلى إعلانها مرات إلقاءها القبض على مجاميع تلقت تدريباتها في العراق وإيران لتنفيذ أعمال تخريبية. وفي 26/ 3/ 2015، أعلن السودان طرد دبلوماسيين إيرانيين وإغلاق المكاتب والممثليات التابعة لطهران خلال 72 ساعة.
إن محاولة فيلق القدس الإيراني استغلال التطورات والأحداث التي تشهدها المنطقة، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي، لتوسيع نفوذه وتمكين أذرعه الاستخباراتية والتنظيمية يتطلب من دول المجلس، لا بل من جامعة الدول العربية مجتمعة، العمل على رصّ الصفوف والتوعية الجماهيرية بخطر هذا العدو الرابض في كل مفترق طرق. كما يجب التعامل مع الشعب العربي باعتباره شعباً واحداً، من دون تمييز، لتحصين الجبهات الداخلية، والإسراع في تشكيل قوات التدخل العربية المشتركة، لتكون فرق الطائفية والعرقية؛ فخطر قوات (فيلق) القدس يسري كالنار في الهشيم، حتى في مناطق خارج حدود الوطن العربي، كما الحال في أوروبا وأميركا وأستراليا وباكستان وأفغانستان وأفريقيا، وفي كندا التي أدرجته على قائمتها للمنظمات الإرهابية.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن