فلسطين.. متلازمة الأرض واللغة

فلسطين.. متلازمة الأرض واللغة

30 يوليو 2015
فلسطين.. متلازمة الأرض واللغة (Getty)
+ الخط -
إنّ الثقافة الفلسطينيّة بمكنونها الروحيّ، الفِكريّ والعاطِفيّ، بمكوّن اللغة والتاريخ والحضارة هي جُزءٌ من الثقافة العربية؛ فالهوية الوطنيّة لأي شعب وليدة ثقافته. مفهوم الهوية الفلسطينيّة لا يزال موضعًا جدليًا في أوساط الساسة والكُتّاب، يعودُ ذلك إلى الخصوصيّة في نشأتها بالمقارنة مع نشأة الهويات الوطنية في الأوطان العربية المُجاورة، وإلى مراحل القوة والضعف التي مرّت وما زالت تمرُّ بها، ولكنّها لا تنفك عن المحافظة على مساهمتها الجوهرية في تحقيق الوحدة الوطنية الفاعلة.


الهوية الفلسطينيّة التي انبثقت من حيّز الهوية العربية الإسلاميّة التي تحمل الثّراء اللغويّ والدينيّ، بدأت باكورة إنباتها بالتمرّد على مظاهر الظلم والسيطرة العثمانية على فلسطين، إلى جانب الهجرة الصهيونية التي أدّت إلى بلورة أولى سمات الهوية. ومع إعلان وعد بلفور عن حق اليهود وتمكينهم من إقامة وطن قومي في فلسطين، وبروز الحركة الصهيونيّة، أخذت الهوية الفلسطينيّة موضعها الجوهريّ وهو النضال ضد المشروع الصهيونيّ.

الهوية الفلسطينيّة بين الذروة والفتور

التقلبات التي تخضع لها الهوية الفلسطينيّة أتت نتيجة عوامل وصراعات داخلية، أيديولوجية وعوامل خارجيّة، مرحليّة. إلا أنّ الهوية الوطنية الفلسطينيّة بقيت محافظة على صفتها الاستمراريّة مُتمثلةً بالنضال الشبابي، الشّعبي بأنواعه، حاملة في استقلاليتها غصن وجود واستمرار الشعب الفلسطينيّ عامة.

الهوية وليدةُ اللغة

تُعدّ اللغة الوسيلة التي تؤدي دور اللفظ الفكريّ والوجدانيّ وتضمن استمرارهما ، بحيث تمكنّ الإنسان من التعبير عن فكره ووجدانه وبذلك تكون اللغة ضمانًا لسيرورة الفكر الإنساني وبلورة التصوّرات، فيها يتجلى التجدد في حلقة من الطرحِ والتعبير تعقبها حالة من التّفكّر لدى المتلقين لتصبح الأفكار في دائرة الاستجابة طروحات ورؤى وتطلعات. تحقق اللغة في الهوية القومية إلى جانب سيرورة الفكر دورًا شعوريًا حين تتجلى بالأدب والمسرح، الشّعر والنتاج الثقافيّ. المكونات المعنوية في الهوية الوطنية، كالدين والآداب والتراث لا يمكن أن تُعرّف إلا باللغة القومية، والمكونات الماديّة لا يكمن أن تتبلور إذا لم تنحدر من الأفكار والرؤى الوطنية التي تَخرجُ إلى النورِ من رحمِ اللغة.

هذه العلاقة الوثيقة بين اللغة والثقافة المُنتجة للهوية الفلسطينيّة شكلّت تصورًا تهويديًا للاحتلال هدف إلى إفراغ اللغة العربية من المكنون الثقافي والرمزيّ والهويتيّ للأقلية الفلسطينيّة في إسرائيل ممهداً الطريق له بالجنسية الإسرائيلية الممنوحة لفلسطينيّ الداخل. بالرغم من الصفة الرسمية للغة العربية فيها منذ زمن الانتداب، حيث تبنت إسرائيل قانون المرسوم الملكي الذي ينصّ على مسؤولية الحكومة بنشر جميع الأوامر، الإعلانات الرسمية للدولة والاستمارات الرسمية باللغتين: العبرية والعربية، كما ويحقّ للفرد التوجه للسلطات الرسميّة مستخدمًا إحدى اللغتين. لكنّ الواقع مغاير، حيث تهيمن اللغة العبرية على الواقع اللغوي في مرافق الدولة في حين أنّ اللغة العربية تعاني تهميشا وتجاهلا ممنهجًا.

عوامل انحسار اللغة في الداخل الفلسطيني

الحيويّة والإقبال اللغويّ عاملان مركزيان في الحفاظ على الهوية الوطنية للداخل ولغته الأم. ثنائية الثقافة، اليهوديّة والفلسطينيّة وثنائية اللغة، العبرية والعربية جعلت من الفلسطينيّ المحتل أمام ازدواجية لغوية وثقافية مُسيّسة وخطيرة، تهدف إلى المسّ بمركبات الهوية الفلسطينيّة وسلب اللغة قداستها ورمزيتها ومكنونها الثقافي الضامن لاستمراره الأيديولوجي. هذا السلب جاء لإفقاد اللغة العربية قدرتها على بلورة وتعميق الهوية الوطنية.

أما وسائل إحباط الحفاظ على اللغة القومية، فقد جاءت من خلال تحديد منهاج اللغة العربية في البلدات والقرى العربية، وتجريده من المواد الثريّة أو النصوص ذات الدلالات الوطنية القومية كقصائد المقاومة أو أدب المقاومة الفلسطينية؛ في سبيل تغييب الواقع الفلسطيني وطمس الهوية، مقابل إقرار نصوص منزوعة الماهيّة الثقافيّة،ـ نصوص نمطيّة وتقريرية لا توفّر التذوّق اللغويّ، مُغيبة حضور الرموز الثقافية الفلسطينية.

تناول التهميش الممنهج واقع الفلسطينيّ في ما بعد التعليم المدرسيّ، حيثُ تستخدم اللغة العبرية في كافة مرافق الدولة وأماكن العمل ومؤسسات التعليم الأكاديمي، إلى جانب المؤسسات الخدماتيّة مجهضةً بذلك القيمة الاعتباريّة للغة القومية عن طريق ضرب مكانتها الاجتماعية في كونها هامشية؛ لا توفر وسيلة للتعليم أو العمل أو الحصول على الحقوق المدنية.

الداخل الفلسطينيّ المعزول

الفلسطينيّ في الداخل مُغيّب عن الخطّ الثقافيّ في العالم العربي، حيثُ لا يشارك أو يستضيف فعاليات، أطراً أو ندوات ثقافية جامعة للهويّة العربية. كما وتُمنع شخصيات مهمة وفاعلة في الوطن العربي من دخول فلسطين المحتلة، فيغيب عنه الشّاعر والكاتب والمُفكّر والناقد؛ مما يُضعف صلة اللغة الوطنية بامتدادها الثقافيّ.

(فلسطين)

المساهمون