فصل شعفاط وكفر عقب عن القدس... تهديد للوجود الفلسطيني

فصل مخيم شعفاط وكفر عقب عن القدس: تداعيات وأخطار تهدد الوجود المقدسي

04 ديسمبر 2017
شهد مخيم شعفاط توسعاً هائلاً في البناء(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

كما كان متوقعاً منهم، عبّر المواطنون في كل من مخيم شعفاط وبلدة كفر عقب شمالي القدس المحتلة عن رفضهم لمصادقة ما يسمى بـ"اللجنة الوزارية لشؤون التشريع" في الكنيست الإسرائيلي، قبل أيام، على مشروع قرار، بالقراءة الأولى، يقضي بفصل مخيمهم وبلدتهم عن القدس، ما يعني إخراج أكثر من 140 ألف مواطن مقدسي من الحدود البلدية المصطنعة للقدس المحتلة، وفقدانهم حق الإقامة فيها. واعتبر المواطنون هذا الأمر عملية تطهير عرقي تمارسها سلطات الاحتلال بحقهم بصورة علنية ورسمية، بعد أن كانت هذه السياسة تنفذ على نحو صامت، بذريعة الإقامة غير القانونية خارج حدود بلدية القدس المحتلة، ما تسبب بفقدان آلاف الأسر حقها في الإقامة، منذ أن شرع بتطبيق هذه السياسة في مستهل الثمانينيات وبلغت ذروتها منتصف تسعينيات القرن الماضي.

الناطق باسم حركة "فتح" في مخيم شعفاط، ثائر الفسفوس، أكد رفض أهالي المخيم لهذا القرار، واصفاً إياه بالقرار العنصري. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "هذا مشروع قديم يمتد إلى عهد رئيس بلدية الاحتلال الأسبق، تيدي كوليك، الذي كان طرح مخططه الناعم على سكان المخيم مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تحت شعار إبن بيتك بنفسك. إذ عرض على سكان المخيم في حينه ترك مساكنهم في المخيم والانتقال للسكن في مخيم عقبة جبر في أريحا، أو في المنطقة الصناعية في وادي الجوز شمال البلدة القديمة، وأبدى استعداده لتقديم حوافز مالية للسكان، بيد أن المشروع رفض وقتها من قبل السكان والقوى الوطنية، التي أكدت أن قضية مخيم شعفاط جزء من قضية اللاجئين، وأن أي حل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عودتهم إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم التي هجروا منها في العام 1948، أو نزحوا عنها في 1967".

ويقطن في مخيم شعفاط الآن قرابة 60 ألف مواطن مقدسي، جزء مهم منهم التجأوا إليه من أحياء فقيرة في القدس المحتلة للحفاظ على حق إقامتهم في القدس، بعد ملاحقتهم من قبل وزارة داخلية الاحتلال لإقامتهم في أحياء صنفتها مناطق في الضفة الغربية، رغم أنها كانت قبل حرب 1967 تتبع جغرافياً وإدارياً لمحافظة القدس، لكن سلطات الاحتلال أخرجتها من نطاق نفوذ بلديتها، في مقابل ضم 28 قرية إلى حدودها لتبني عليها لاحقاً 16 مستوطنة، يقطنها الآن أكثر من 200 ألف مستوطن. وتعزو سلطات الاحتلال قرارها بشأن مخيم شعفاط إلى أن المخيم بات يشكل، في السنوات الأخيرة، تهديداً خطيراً للتجمعات الاستيطانية المحيطة به، إذ خرجت منه العديد من الهجمات الفدائية أدت إلى مصرع مستوطنين، كما خرجت منه هجمات لمقاومين من الضفة الغربية عبروا من خلاله إلى داخل دولة الاحتلال ونفذوا هجماتهم هناك، إضافة إلى ادعاء سلطات الاحتلال بأن المخيم يحتوي على ترسانة من الأسلحة الخفيفة في أيدي الشبان هناك، والذين لم يتورعوا خلال السنوات الأخيرة عن إطلاق نيران أسلحتهم على مستوطنات مثل "بسغات زئيف" المجاورة للمخيم.

وقال رئيس لجنة مقاومة الجدار والاستيطان، حمدي ذباب، إن "الغالبية العظمى من سكان المخيم هم لاجئون استقروا في المخيم أواخر العام 1966، بموجب اتفاق كان وقع بين وكالة الغوث ووزارة الإنشاء والتعمير الأردنية لاستيعاب مئات الأسر اللاجئة من حارة الشرف، أو ما تعرف الآن بالحي اليهودي في البلدة القديمة من القدس، بعد أن هجروا من مساكنهم في بلدات وقرى غرب القدس دمرها الاحتلال في العام 1948، ومنهم لاجئون من مدن اللد، ويافا، والرملة. وقد أقيم المخيم في حينه على ما مساحته 400 دونم فقط من أراضي بلدة شعفاط، ثم شهد في العقود الثلاثة الأخيرة توسعاً هائلاً في البناء، وازدياداً كبيراً في أعداد السكان، سواء من سكنه بعيد إنشائه، أو من لجأ إليه، وهم في غالبيتهم أيضاً لاجئون، ليحافظوا على وجودهم في القدس مع أسرهم وأطفالهم".


ورأى ذياب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال بقراره فصل المخيم عن القدس يمارس سياسة تطهير وعقاب جماعي لكتلة سكانية كبيرة تشكل عائقاً أمام تنفيذ مخططاته لربط مستوطناته في محيط القدس ببعضها البعض، وربطها بمركز المدينة، في مقابل التخلص من هذه الأحياء، ومن سلطته كبلدية في الإشراف على المخيم وعلى كفر عقب. علماً بأن سلطات الاحتلال توقفت منذ سنوات طويلة عن تقديم أي نوع من الخدمات في هذه المناطق، بينما تسعى الآن، من خلال فصل السكان عن منطقة نفوذها وتسليمها للجان محلية، إما تعين منها أو تنتخب انتخاباً لتتولى مسؤولية إدارة هذه المناطق، وهو أمر يرفضه المواطنون، بالنظر إلى أن الحديث هنا يدور عن التخلص من السكان والاحتفاظ بما تبقى من أراضي المقدسيين لصالح الاحتلال ومستوطنيه.

وفي بلدة كفر عقب التي يفصلها عن القدس من حدها الشمالي جدار الفصل العنصري، يرى منير الزغير، من اللجنة الشعبية التي شكلها السكان لمنع سلطات الاحتلال من هدم مئات الشقق السكنية هناك، أن ما يحصل يأتي في سياق حملة عنصرية منظمة تقودها سلطات الاحتلال، في وقت يقود رئيس البلدية، نير بركات، هذه الحملة لدوافع سياسية خاصة به، إذ إنه يطمح للوصول إلى مقعد في الكنيست مدعوماً من اليمين المتطرف. وقد جرت العادة أن يصل هؤلاء إلى مراكز صنع القرار على حساب معاناة الفلسطينيين، سواء بالقتل أو التهجير أو الاستيطان ومصادرة الأراضي. ولفت الزغير، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن بلدة كفر عقب، التي استقرت فيها في غضون السنوات الأخيرة آلاف الأسر المقدسية، تحولت إلى منطقة جذب سكاني للمقدسيين بسبب انخفاض أسعار الشقق، وتدني الإيجارات، خلاف ما هو قائم داخل القدس، إذ تصل معدلات إيجارات السكن فيها إلى ألف دولار شهرياً، وهو مبلغ كبير على غالبية الأسر المقدسية التي يعاني أفرادها من معدلات بطالة عالية، وفقر شديد. وأضاف "هذا الوضع دفع بمئات الأسر لشراء شقق سكنية هنا، ما مكنهم من الاحتفاظ بحقهم في الإقامة. لكن قرار الفصل الجديد، إن صودق عليه نهائياً بقراءتيه الثانية والثالثة، قد يمس بحق الإقامة هذا. وإن حدث ذلك، فنحن نتوقع عودة عكسية إلى داخل القدس، ما سيفتح معركة من نوع جديد مع الاحتلال وقودها طوفان من البشر لا يجدون مأوى لهم، في حين توفر سلطات الاحتلال السكن والاستيطان لآلاف المستوطنين على حساب المقدسيين".



وقدر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، أعداد المقدسيين الذين فقدوا إقامتهم في القدس منذ العام 1967 بنحو 20 ألفاً. ورأى الحموري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المخطط الجديد للفصل، سيفضي إلى فقدان أكثر من 140 ألف شخص حقهم في الإقامة، إن كان ذلك عاجلاً أو آجلاً. وأضاف إن "المصادقة الجديدة على الفصل تمهد لأخطر من ذلك، بحيث تطال أحياء أخرى تعتبرها سلطات الاحتلال عبئاً عليها، ليس من حيث ما تقدمه فيها من خدمات، وهي معدومة ومتوقفة منذ سنوات طويلة، بل من الناحية الديمغرافية، إذ تعتبر سلطات الاحتلال هذا الوجود الفلسطيني الكثيف تهديداً لوجودها، لذا المشروع الجديد يقوم في الواقع على عملية الإحلال السكاني في القدس، بحيث يجلبون، مقابل من سيتم إخراجهم من حدود القدس، مستوطنين يقيمون فيها".

في هذا السياق، أشار الحموري إلى أن نسبة المقدسيين في القدس وصلت، خلال السنوات الأخيرة وفي آخر إحصاء إسرائيلي، إلى نحو 40 في المائة، وهي نسبة مرتفعة جداً، سعت حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ العام 1967 وحتى الآن إلى ألا تتجاوز هذه النسبة الـ 22 في المائة. وفي السنتين الأخيرتين كثر الحديث لديهم عن تخفيض هذه النسبة إلى 12 في المائة فقط، سواء من خلال جدار الفصل العنصري، الذي عزل نحو 125 ألف مقدسي عن القدس، أو من خلال مشاريع القرارات التي تقدم إلى الكنيست، والتي كان آخرها فصل مخيم شعفاط وكفر عقب عن القدس.

سياسياً، وفق ما يرى مسؤولون وخبراء فإن مشاريع القرارات هذه تهدف في النهاية إلى خلق واقع جيوسياسي جديد، تحقق سلطات الاحتلال من خلاله إقامة ما تسميه "القدس الكبرى"، والتي تصل مساحتها إلى ما بين 12 و15 في المائة من مساحة الضفة الغربية، بعدد من المستوطنين يصل إلى نحو مليون مستوطن حتى العام 2030 على أبعد تقدير، كما قال مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق، خليل تفكجي. وأشار تفكجي إلى أن فصل مخيم شعفاط وكفر عقب، سيقابله ضم كبرى التجمعات الاستيطانية إلى حدود "القدس الكبرى"، خصوصاً "معاليه أدوميم" شرق القدس، و"كفار عتصيون" جنوبها، و"جفعات زئيف" شمال غرب المدينة، وفي حال تحقق ذلك فعلياً، فإن حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، بعاصمتها القدس، يكون قد تبخر على أرض الواقع، لأن ما سيفرض على الأرض من وقائع استيطانية وديمغرافية سيجعل من المستحيل إقامة مثل هذه الدولة.

في مقابل ذلك، رأت هيئة العمل الوطني في القدس، التي تضم عدداً من الفصائل الفلسطينية، أن مواجهة هذه المخططات تستدعي الإسراع باستراتيجية وطنية فلسطينية تدعم الوجود الفلسطيني في القدس، وتثبّت أركانه، خصوصاً أن الاحتلال يصعّد من حملة التهويد لكل مناحي الحياة في القدس، وبات يركز استيطانه في قلب الأحياء الفلسطينية، كما هو عليه الحال في سلوان، ورأس العامود، والشيخ جراح، وشعفاط، وبيت حنينا، وجبل المكبر، وهي أحياء تتاخم البلدة القديمة من القدس. وأشارت إلى أن المستوطنين باتوا يتغولون على المقدسيين بالاستيلاء على عقاراتهم، واستهداف مقدساتهم، خصوصاً المسجد الأقصى الذي بات اقتحامه حدثاً يومياً.

المساهمون