فرنسا: سجالات ساخنة حول "مقاطعة إسرائيل"

فرنسا: سجالات ساخنة حول "مقاطعة إسرائيل"

11 مايو 2014
ذريعة شبهة معاداة السامية يضع إسرائيل فوق القانون (GETTY)
+ الخط -

كتبت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية بتاريخ 18 أبريل/نيسان الماضي، وبعنوان لافت: "هل تقف فرنسا ضد المدافعين عن القانون الدولي؟" يوضح روني برومان، الطبيب والرئيس السابق لأطباء بلا حدود (وهو من أصول يهودية، ومن أشد الداعمين لإنشاء الدولة الفلسطينية) وفرانسوا دوبويسون، أستاذ القانون الدولي بالجامعة الحرة ببروكسيل والقاضية غزلان بواسونيير، والمحامي بيير أوسيلاند، أنّ فرنسا تضع، بالفعل، نفسَها في "وضعية مريبة".   

نقرأ أنّه "منذ 2009 يتحرك مناضلون في المتاجر والشركات والجامعات ووسائل الإعلام من أجل إقناع المُستَهْلِكِين الفرنسيين بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ومن أجل أن يُطالب المواطنون من مسؤوليهم السياسيين باتخاذ إجراءات ملموسة ضد السياسة اللاقانونية والظالمة لدولة إسرائيل. ويزداد عدد هؤلاء الذين ينضمون إلى الحملة الدولية BDS من أجل "المقاطعة ووقف الاستثمارات والعقوبات" التي تطالب بالعمل من أجل احترام القانون الدولي في فلسطين.

والجدير بالذكر أن حملة BDS هي في أصلها استجابة للنداء الذي وجهه، في 9 يوليو/تموز 2005، قرابة 172 من الأحزاب والمنظمات والنقابات الفلسطينية جاء فيه: "نحن، ممثلي المجتمع المدني الفلسطيني، ندعو منظمات المجتمع المدني الدولية وأصحاب الضمائر في العالم كله إلى فرض مقاطعة واسعة وإلى تنفيذ مبادرات سحب الاستثمارات في إسرائيل على منوال ما تم تطبيقه على جنوب أفريقيا إبان حقبة الأبارتايد".      

ويضيف برومان وأصحابه أن "هذه الحملة تهدف إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل، حتى تتخلى عن الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعن بناء الجدار العازل. ويجب التذكير بأنّه إذا كان الاستيطان و"الجدار" قد تم اعتبارهما غير قانونيين من قبل محكمة العدل الدولية بلاهاي في 9 يوليو/تموز 2004، فإنّ الدول الأوروبية لم تقم بشيء تقريباً، لدفع إسرائيل للانصياع لهذا القرار، في الوقت الذي كان يتوجب فيه على هذه الدول العمل على فرض احترام القانون الدولي. ولا تقوم حملة BDS، في نهاية الأمر، سوى بتذكير الحكومات بواجباتها القانونية".      

والمفارقة كما يرى البيان: "أنّ فرنسا هي البلد الوحيد (إضافة إلى إسرائيل منذ 2011) التي فكرت في جعل هذه الحملة مُعرَّضَةً لعقوبات جزائية. فقد صدر نص داخلي من وزارة العدل الفرنسية تم تبنيه في 12 فبراير/ شباط 2010، ويسمى " مرسوم أليوت-ماري"، باسم وزيرة العدل آنذاك (وهي ذات الوزيرة التي اشتهرت بفضيحة تسليح شرطة الدكتاتور زين العابدين بن علي قبيل سقوطه وكانت حينها وزيرة للداخلية)، وهو

. ومنذ تبني هذا المرسوم سيء السمعة تعرض ما يقرب من 40 من مناضلي حملة BDS لمتابعات قضائية بدعوى " إثارة التمييز العرقي والوطني أو الديني".   

ويرى أصحاب المقال "أن مرسوم أليوت-ماري، بغض النظر عما إذا كنا نؤيد أم لا مقاطعة إسرائيل أو حتى لا مُبالين بالمشكل، صادِمٌ، بشكل عميق، وذلك لأسباب ثلاثة:

"السبب الأول؛ لأنّ الدعوة للمقاطعة هو جزءٌ من نقاش سياسي جمهوري. إنّه حق يُعبَّرُ عنه في فرنسا منذ عقود، مثل الحق في المطالبة وفي النقد. وهذه المتابعات القضائية تندرج في تناقُضٍ مع تقليد فرنسي في العمل السياسي اللا عنفي. وقد اعتبرت وزير العدل الحالية كريستيان توبيرا الدعوة إلى مقاطعة منتوجات قادمة من نظام قمعي "ممارسة مناضلة، معترف بها وعمومية" واعترفت بأنّها أيدتها ضد منتجات جنوب أفريقيا.

ويُعدد البيان حالات مقاطعة سمحت بها الإدارة الفرنسية ولم تمنعها، ومن بينها الدعوة لمقاطعة المنتجات الصينية بسبب أزمة التبت، أو الروسية بسبب الشيشان، أو المكسيك حين كانت الفرنسية فلورونس كاسي في إحدى سجونها، أو ضد أوكرانيا إبان اعتقال رئيسة الوزراء السابقة يولا تيموشينكو.      

السبب الثاني، هو أن "الدعوة للمقاطعة لا تتعارض مع القانون الفرنسي. ويعتمد مرسوم أليوت-ماري على المادة (225-2) الفقرة 8 من قانون 1881 حول الصحافة والذي يسمح بقمع النداءات الموجهة من قبل مواطنين لمقاطعة منتجات قادمة من دولة تُعتَبَرُ سياسَتُها محل انتقاد. ولكن هذا البند، مُوجَّهٌ، في الحقيقة، فقط ضد التمييز ضد أشخاص. ويقوم المرسوم بتأويلٍ فيه تجني على روح النص."      

ثالثا، يمنع القانون الأوروبي مثل هذا العقاب. و"تُذكِّرُ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بشكل منتظم، بأنّ جماعات المناضلين تتمتع، فيما يخص المواضيع السياسية، بحماية معززة في مسألة حرية التعبير. "

ولهذا يطالب البيان، صراحة، بالإلغاء الفوري لهذا المرسوم الزاجر. ويختتم بأنّه "إذا كان من الضروري مكافحة كل أشكال التمييز والعنصرية ومعاداة السامية، فإنّه من الضروري، أيضا، احترامُ حرية التعبير بالنسبة لأولئك الذين يتحركون، بشكل سلمي، من أجل أن يُطبَّق القانون الدولي في فلسطين وفي أماكن أخرى."

وإذا كان هذا البيان الذي يتحدث بصدق عن الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني في أرضه، وكيف تسرق منتجاته وتُسوَّقُ على أنها منتجاتٌ إسرائيلية ("ليس بِخافٍ على أحد أن إسرائيل تُسلِّمُ شهادات بطريقة مماثلة عن البضائع المصنعة في مستوطنات الضفة الغربية أو تلك التي صنعت في إسرائيل، على الرغم من أن المُستَهِلِكَ (الفرنسي أو الغربي) ليس على علمٍ بأصل المنتوج الذي يشتريه)، وكيف أن العمل النضالي، عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، يتعرض للقمع والتضييق في فرنسا، أرض الحرية وحرية التعبير،

وهي مفارقة كبيرة تحتاج إلى حلّ، أتى في وقت مناسب يعاني فيه الكيان الصهيوني من عزلة دبلوماسية وشعبية، وبعد أن أفشلت إسرائيل كل محاولات التفاوض مع الفلسطينيين، فإنّ مجموعة من الصهاينة الفرنسيين نشرت في ذات الصحيفة (ليبراسيون)، يوم 8 مايو/أيار مقالا ترُدّ فيه على البيان الأول وتدافع فيه عن الكيان الصهيوني وتبرّر فيه قمع السلطات الفرنسية لدعاة مقاطعة البضائع الإسرائيلية السلميين.

يحمل البيان عنوان: " مقاطعة إسرائيل: غير قانونية وغير شرعية"، وهو من توقيع غلاة الصهاينة في فرنسا: ميكائيل غناسيا ومارك كنوبل وجُوِيل كوتيك وباسكال ماركوفيتش وجان-فيليب مواني وجاك تارنيرو وبيير-أندري تاغييف. وهذان الأخيران معروفان منذ فترة طويلة بمهاجمة أنصار القضية الفلسطينية في فرنسا.

ويخلُصُ القارئ للبيان بنتيجة أنّه لا يأتي بجديد، ويُكرر نفس التبريرات التي تُجمّل صورة إسرائيل: " إن إسرائيل لا تُطبق أي أبارتهايد، إذ تتواجد ثلاثة أحزاب عربية في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، كما يتواجد دروز وعرب في الحكومة وفي القضاء، وهذا ما لم يكن يوجد في جنوب أفريقيا.." ويقوم بالمزج المتعمد بين إسرائيل واليهود: " إن الحقد المنفلت على إسرائيل سيقود، بشكل لا مفر منه إلى الحقد على اليهود. إذن فحملة المقاطعة، هذه، يتخذها البعض ستاراً يخفي به معاداته للسامية ".

وينتهي بهذه الخاتمة المريبة: " يستطيع كل مواطن أن ينتقد أي حكومة مهما كانت، إنها حرية التعبير. ولكن الدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية لا تندرج في إطار هذا النقد، لأن لها نتائجُ على مُواطِني البلد الذي تُنتَقَدُ حكومَتُه. وإذن فإن حرية التعبير يجب أن تقفَ حيث يبدأ التمييز، ومن هنا تجد المتابعات القضائية والأحكام المُعلنَةَ تبريرَها".