فرص تيد كروز في الترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية

فرص تيد كروز في الترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية

18 فبراير 2016

تيد كروز: من يكره إسرائيل يكره أميركا (Getty)

+ الخط -
مثّل صعود السيناتور تيد كروز، وهو عضو في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية تكساس، من أصلٍ كوبيّ، في التصفيات التمهيدية التي جرت في ولاية أيوا في 31 يناير/ كانون الثاني 2015 للفوز بترشيح الحزب الجمهوري مفاجأةً لكثيرين. فمن هو السيناتور كروز؟ وما هي مواقفه السياسية وبرامجه الاجتماعية والاقتصادية؟ وما سرّ صعوده السريع؟ وما هي فرص فوزه بترشيح حزبه للمنافسة في كرسيّ الرئاسة في انتخابات نوفمبر/ تشرين ثاني 2016؟

سرّ الصعود السريع
انتُخب السيناتور تيد كروز لمجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية تكساس في نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، ليحلّ محلّ زميله السيناتور الجمهوري كاي بيلي هوتشيسون. وهو عضو في لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ، ولجنة التجارة والعلوم والنقل، ولجنة السلطة القضائية، إضافةً إلى اللجنة الاقتصادية المشتركة، ولجنة القواعد والإدارة، وقد تخرّج في جامعتي برنستون وهارفارد.
صعد نجم كروز في سبتمبر/ أيلول 2013 عندما عطّل، طوال 21 ساعةً، قانون الرعاية الصحية في مجلس الشيوخ الذي يُطلق عليه "Obamacare"؛ لأنّ الرئيس باراك أوباما استثمر جهدًا رئيسيًّا في تمرير القانون في الكونغرس. وفي السنتين الأوليَين لكروز في مجلس الشيوخ، صار سجلّه في التصويت يقترب من الكمال. لذلك، أصبح الصوت المحافظ الأبرز في عدد من القضايا السياسية الرئيسة؛ من الميزانية، إلى نظام الخدمات الاجتماعية، حتى شؤون السياسة الخارجية. وقد قاد المعركة ضدّ أوباما، خصوصاً بشأن نظام الرعاية الصحية، وضدّ رغبة أوباما، أيضاً، في الحدّ من حمل السلاح، والهجرة، والسياسة الخارجية، على سبيل المثال لا الحصر.

ليس لدى كروز شعبية بين زملائه في مجلس الشيوخ. وفي الواقع، يفتخر بأنه لم يأتِ إلى واشنطن لكسب الأصدقاء. ولذلك، ليس له إلّا القليل منهم في هذا المجلس. وقد أظهر عدم احترامٍ كبير تجاه الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل (جمهوري من ولاية كنتاكي)؛ إذ وصفه، داخل قاعة مجلس الشيوخ، بأنه كاذب. فكان هذا الوصف إهانةً من كروز، انتهكت العُرف الراسخ داخل المجلس الذي لا يشجّع أيّ انتقادات شخصية أو اتهامات، ولا سيما حين يتعلّق الأمر بزميلٍ عضوٍ في مجلس الشيوخ.
لم يتخذ إعلان كروز، في 23 آذار/ مارس 2015، أنه سيرشح نفسه للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة على محمل الجد في البداية. وقد تغير هذا التصور، عندما خرج منتصراً في المرتبة الأولى في الأول من فبراير/شباط في الانتخابات المبكرة للحزب الجمهوري في ولاية أيوا، حيث حصل على 27.6 في المئة من الأصوات، متفوقاً على دونالد ترامب، خصمه الرئيس، بما يزيد قليلًا على ثلاث نقاط. وهكذا، تمكّن كروز من الفوز، على الرغم من أنّ كل الإحصاءات كانت تشير إلى تفوّق ترامب، اعتمادًا، على نحوٍ خاصّ، على تصويت الإنجيليين بكثافة له، وكانت توقعات استطلاعات الرأي قد وضعته في المرتبة الثانية بعد ترامب.

تساؤلات حول أهلية ترشحه
وُلد كروز، البالغ خمسةً وأربعين عاماً، في كالغاري في كندا. وكانت والدته، إليانور درا، مواطنةً أميركيةً. أمّا والده، رافاييل كروز، فلم يكن أميركيّاً. ووفقًا لحملة كروز، عاشت والدته في كندا بموجب الإقامة وتصريح العمل، ولم تطلب الحصول على الجنسية الكندية، أو الإقامة الدائمة إطلاقًا. وأمّا كروز، فحصل على الفور على الجنسية الأميركية من خلال والدته، وانتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية في سنّ الرابعة. وفي عام 2013، وبعد تصريحه بشهادة ميلاده، كشفت دالاس مورنينغ نيوز Dallas Morning News أنّ كروز كان مواطناً كنديًّا أيضًا؛ بناءً على مكان ولادته. فدفعه ذلك إلى القول إنّه حتى ذلك الحين كان يجهل حصوله على الجنسية المزدوجة، وفي وقت لاحقٍ تخلّى عن الجنسية الكندية.
على غرار أوباما، ظهرت تساؤلات حول أهلية كروز للترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة. فمن بين المؤهلات لخوض انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة شرطٌ يوجب أن يكون المرشح "مواطناً بالولادة". وقد فسّر معظم الخبراء القانونيين ذلك بأنْ يكون المرشّح حاصلاً على الجنسية الأميركية عند الولادة، وألا يكون حصوله عليها من خلال عملية تجنيسٍ، وبموجب ذلك، امتلك كروز حقّ الترشّح للرئاسة الأميركية. وعلى الرغم من ذلك، ما زال كثيرون يشكّكون في أهليته للترشح إلى منصب الرئيس. وقد أثار منافسه دونالد ترامب هذه النقطة أكثر من مرّة، بل إنّه هدّد بالذهاب إلى المحكمة العليا لرفع دعوى قضائية ضدّ كروز بشأن هذه القضية. ومع ذلك، لا تتعامل المحكمة العليا في الولايات المتحدة مع مسألة الأهلية لأولئك الذين يسعون إلى الرئاسة في ما يتعلق بالمواطنة. ولذلك، من غير المرجح أن تقبل المحكمة الطعن القانوني من ترامب، أو أيّ شخص آخر.


مواقفه السياسية
حافظ كروز على مواقفه المحافظة باستمرار طوال حياته المهنية، ويعكس برنامجه الانتخابي هذه الميول المحافظة في قضايا مختلفة أهمّها:
1. الهجرة
اعتمد كروز موقفاً متشددًا في قضايا الهجرة، وعارض أيّ إصلاح شامل للهجرة، بما في ذلك العفو عن المهاجرين غير الشرعيين. كما عارض بشدة مواقف أوباما في ما يتعلق بقضايا الهجرة، وخصوصاً برنامج الأطفال القادمين إلى أميركا دون السنّ القانونية، وهو برنامج يحمي الأطفال الذين ليست لديهم وثائق قانونية، والذين أتوا إلى الولايات المتحدة عبر الحدود، بسبب الترحيل. فقد طالب كروز مراراً بإنهاء هذا البرنامج، وبوضع حدٍّ له. وعلى الرغم من ذلك، ووفقاً لبعض الجمهوريين الذين عملوا معه، في أثناء إدارة جورج بوش الابن، وبوصفه عضواً في مجلس إدارة تحالف القادمين من أميركا اللاتينية من أجل الازدهار، ومقرّه واشنطن، ساعد كروز مهاجرين غير شرعيين بالبقاء في الولايات المتحدة، ومتابعة وضعهم القانوني، من دون أن يؤدّيَ أيّ جهدٍ من ذلك إلى منحٍ تلقائي للعمال لوثائق اللجوء، وخصوصاً بالنسبة إلى الذين ليست لديهم وثائق قانونية. وقد دَعا كروز، مثل ترامب، إلى بناء جدارٍ على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين.
2. الاقتصاد
وُصف كروز من معهد "كاتو لدراسات السياسات التجارية" بأنّه داعية للتجارة الحرة. وقد كان في البداية مؤيدًا لاتفاقيات التجارة الحرة التي تُعرف أيضا بـ "المسار السريع"، لتسريع اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، إلا أنه غيّر موقفه، وعارض الاتفاق في ما بعد. وقد عارض كروز أيضاً تمويل بنك التصدير والاستيراد الذي يَفِي بتمويل مُنخفض التكلفة للمشترين الأجانب من السلع والخدمات الأميركية.
وعلى غرار بقية المحافظين، يريد كروز تقليل عدد أعضاء الحكومة، إلى حدّ كبير، وإلغاء مصلحة الضرائب. وقد تعهّد أيضاً بإلغاء أربع وزارات هي الطاقة، والتعليم، والتجارة، والإسكان والتنمية الحضرية. ويؤيد كروز عقوبة الإعدام. ففي سبتمبر/أيلول 2015، بعد أن دعَا قداسة البابا فرانسيس إلى إلغاء عقوبة الإعدام، في كلمته التي ألقاها أمام جلسة مشتركة للكونغرس، قال كروز إنه يختلف مع البابا، بخصوص عقوبة الإعدام.

3. الحريات المدنية وقانون المراقبة الإلكترونية
صوّت كروز عام 2015 لمصلحة قانون حرية الولايات المتحدة الذي أعاد تكريس قانون باتريوت السابق في ما يتعلق بالتنصّت، بعد تعديل بعض موادّه. ويُعدّ كروز أحد المؤيدين الأشداء لحقّ الأميركيين في امتلاك السلاح. وفي عام 2013، هدّد بتعطيل أيّ تشريع من شأنه أن يقود إلى أيّ قانونٍ يحدّ من حرية امتلاك السلاح، أو يتطلب تحرياتٍ إضافيةً عمّن يريد امتلاك سلاح ما. كما ضغط على لجنة القوات المسلحة لعقد جلسة استماع متعلّقة بإمكان السماح للأفراد العسكريين، وخلال تأديتهم الخدمة، حمل الأسلحة النارية للدفاع عن أنفسهم بطريقة أفضل، وحمايتهم من الحوادث التي جرت من قبيل حوادث إطلاق النار في كلّية البحرية في فورت هود.
4. المناخ وقضايا البيئة
يرفض كروز بشدة الإجماع العلمي بشأن تغيّر المناخ؛ من ذلك أنه يرفض تحذير المدافعين عن البيئة من ارتقاع الاحترار العالمي، مدعياً أنّ بيانات الأقمار الصناعية تُثبت انعدام ظاهرة الاحتباس الحراري، مثلما يجري تهويلها على نحوٍ كبير. وقد انتقد وكالة ناسا لإجرائها أبحاثاً كثيرة، بحسب رأيه، بشأن تغير المناخ وعلوم الأرض، عادًّا أنّ البحث في هذه المجالات ليست جزءًا من الوظيفة الأساسية لهذه الوكالة.
تلقى كروز أكثر من مليون دولار في حملة تبرعاتٍ من صناعة النفط والغاز منذ عام 2011. وقد انتقد بشدة وكالة حماية البيئة، ووصفها بأنها "مكانٌ للمتعصبين"، واتهم إدارة أوباما بشنّ الحرب على النفط الصخري؛ إذ يعارض كروز خطة الطاقة النظيفة ووكالة حماية البيئة، وهي خطّة تهدف إلى خفض انبعاث الكربون من محطات توليد الطاقة. كما اتهم كروز الرئيس أوباما بالانخراط في محاولةٍ لزعزعة استقرار نظام الطاقة في البلاد، واتّهم خطته بأنها غير دستورية. 
ويُعدّ كروز من أشدّ المؤيدين لخط أنابيب كيستون XL، وجنباً إلى جنب مع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الآخرين، كان من الجهات المشاركة في رعاية عدد من التشريعات لدعم هذا الخطّ. كما عارض كروز التعديلات التي تسعى إلى رفع الحظر المفروض على صادرات النفط الخام في الولايات المتحدة، وتعجيل الموافقة على تصاريح لتصدير الغاز الطبيعي المُسال.

5. الشرق الأوسط
تعكس مواقف كروز من قضايا الشرق الأوسط رؤية متطرفة تجاه المنطقة. ففي أغلب الأحيان، يدّعي أنه في منزلة ما بين سناتور كنتاكي السناتور راند بول الذي يؤيّد الانعزالية تأييدًا مطلقًا والسيناتور جون ماكين، وهو جمهوري من أريزونا، يؤيد الدعوات إلى تدخل أميركي أوسع في الشرق الأوسط. ولكنّ تصريحاته، في أحيانٍ كثيرة، تُكذّب هذا الاعتقاد. فكروز يدعم فكرة القضاء الكلّي والتامّ على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بل إنه يدعم قصف هذه الجماعة الإرهابية قصفًا يُغيّبها تماماً، حتى لو أدّى ذلك إلى قتْل آلاف المدنيين الذين مازالوا تحت سيطرة المناطق التي يحكمها داعش. ومثل هذه التصريحات، ستكون لها تداعيات كبيرة على صدقية الولايات المتحدة، وخصوصاً في حربها ضدّ داعش، حين لا يتمّ الاكتراث بالقانون الدولي الإنساني الذي يعطي الحماية للمدنيين خلال الحروب والصراعات المسلّحة. كما يعتقد كروز أنه ليس من مسؤولية الولايات المتحدة أن تعيد بناء الأمم Nation Building، أو تحويل الدول الأجنبية إلى دول ديمقراطية، أو تحويل "العراق إلى سويسرا". وهو يرى أنّ مهمة الجيش الأميركي هي الحفاظ على أمن الولايات المتحدة وقتل الأعداء الذين أعلنوا الحرب عليها أينما كانوا.

أمّا بالنسبة إلى سورية، فيرى كروز أنّ أميركا ليس لها حليف في هذه الحرب، فهو يعدّ نظام الأسد والمعارضة المسلحة التي تقاتله، بالنسبة إلى المصالح الأميركية، سيِّئين بالدرجة نفسها. لذلك، على القوات المسلحة الأميركية ألّا تكون بمنزلة سلاح الجو لتنظيم القاعدة. فكلّ المعارضة المسلحة السورية، في نظره، مؤيّدة للقاعدة أو متحالفة معها. وفي عام 2014، انتقد كروز إدارة أوباما، لأنها قامت بتسليح المعارضة السورية، وهو يرى أنّ هزيمة داعش يجب ألّا ترتبط بخطط أخرى، من قبيل إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد. أمّا بالنسبة إلى اللاجئين السوريين، فقد عارض كروز بشدّة دخولهم إلى الولايات المتحدة، ودعم تشريعاتٍ تحظر دخول لاجئين من سورية (والعراق) إلى الولايات المتحدة.
أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فيعبّر كروز عن قناعة إيمانية بأنّ أولئك الذين يكرهون إسرائيل يكرهون أميركا حتماً، وأنّ الذين يكرهون اليهود يكرهون المسيحيين. فاعتقاده يتّسق مع المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة الذين يدعمون بقوة إسرائيل والعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي حال انتخابه، وعد كروز بتعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ونقْل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
كما انتقد كروز بشدّة طريقة تعامل إدارة أوباما مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقال إنّ اتفاق سلام دائم من غير المرجح حصوله، ما لم توافق القيادة الفلسطينية على الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، وتنبذ الإرهاب. كما انتقد أيضاً وزير الخارجية، جون كيري، عندما حذّر من تحوّل إسرائيل إلى دولة فصلٍ عنصري، واصفًا تصريحاته بأنها غير دقيقة على نحوٍ فاضح، وبأنّها مسيئة جدًّا.
وكان كروز الخصم العنيد للاتفاق النووي مع إيران، وقد وصفه بأنه "كارثي"، وكان قد حاول تعديل القانون بطريقةٍ يتطلب فيها الاتفاق موافقة الكونغرس، قبل أن يتمّ تخفيف العقوبات، لكنّ محاولته لم تكن ذات جدوى. وقد أكّد كروز أنّ من شأن الاتفاق مع إيران أن يؤدّي إلى مقتل ملايين الأميركيين، وقال إنّ من شأن الاتفاق أن يسهّل حصولاً سريعاً لإيران على سلاح نووي. وقال، صراحةً، إنّه، في حال انتخابه رئيساً، سيلغي الاتفاق.

فرص في انتزاع بطاقة الترشح
لن تكون فرص السيناتور كروز سهلةً في الحصول على بطاقة الترشح في أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري، في يوليو/ تموز 2016، في مدينة كليفلاند في ولاية أوهايو. إذ عليه أن يحصل على تأييد نصف أعضاء المندوبين الـ 2500 الذين يصِلون عبر الانتخاب من الولايات الخمسين لاختيار مرشحّهم في خوض سباق الرئاسة إلى البيت الأبيض. ويُتوقّع، حينئذٍ، حصول مواجهة كبرى بينه وبين المرشح الآخر القوي للحزب الجمهوري، دونالد ترامب، في المؤتمر، إلّا إذا قرّرت مؤسّسة الحزب الجمهوري عقْد صفقة لتفادي هذه المعركة التي سيكون أثرُها بالغاً في صفوف الحزب الذي يعاني، أصلًا، انقسامات عديدةً. وإذا حصل ذلك، فإنّ خبراء يرجّحون أن تأتي الصفقة لمصلحة ترامب؛ لأنّ الصفقة معه ستكون أخفّ وطأةً على مؤسسة الحزب التقليدية من مرشّح يميني متطرّف، مثل تيد كروز.