غاز تركيا الضخم... اكتشاف البحر الأسود يزيد نهم التنقيب في "المتوسط"

غاز تركيا الضخم... اكتشاف البحر الأسود يزيد نهم التنقيب في "المتوسط"

23 اغسطس 2020
أردوغان يعد بعدم التوقف عن التنقيب حتى تصبح تركيا مصدراً صافياً للطاقة (الأناضول)
+ الخط -

زادت الآمال بتبدل الواقع الاقتصادي التركي وتسهيل حلم وصول الدولة إلى مصاف "العشر الكبار" عام 2023، بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان، الجمعة الماضي، عن اكتشاف حقل ضخم للغاز الطبيعي في البحر الأسود باحتياطي يقدر بحوالي 320 مليار متر مكعب (11.3 تريليون قدم مكعبة).

وجاء الاكتشاف الضخم بالبحر الأسود في وقت تشهد فيه مياه شرق البحر المتوسط صراعاً مباشراً على التنقيب عن الغاز بين تركيا واليونان، الأمر الذي دعا محللين إلى اعتبار اكتشاف البحر الأسود قد يهدئ من وتيرة التوتر في مياه "المتوسط"، إلا أن نبرة المسؤولين الأتراك بدت عكس ذلك، إذ يزداد نهمهم إلى تحقيق اكتشافات أخرى كبيرة في مياه البحر المتوسط أيضاً، لتقليص فاتورة استيراد الطاقة التي تستنزف عشرات مليارات الدولارات سنوياً.

يقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، محمد كامل ديميريل، إن هذا الاكتشاف يعد بداية مرحلة جديدة لتركيا، خاصة أنه جاء من البحر الأسود وليس من المتوسط المتنازع عليه، وتم عبر كادر تركي بالكامل وسفينة "الفاتح" التركية التي تعد واحدة من أهم سبع سفن بالعالم في هذا المجال.

ويقترب حجم الاحتياطي المكتشف في البحر الأسود من نصف حجم احتياطي حقل ظهر الضخم في مصر الذي وصفته القاهرة والشركات العالمية التي تعمل فيه بأنه أكبر حقل في البحر المتوسط، حيث يقدر احتياطيه بنحو 30 تريليون قدم مكعب.

ويدور صراع غير مباشر بين مصر وتركيا على التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، حيث تدعم القاهرة كل من اليونان وقبرص. واصطدمت سفينتان حربيتان من اليونان وتركيا أثناء تعقب سفينة مسح تركية هناك في وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري.

وفي كلمة كانت متوقعة بشكل كبير نقلها التلفزيون التركي من قصر عثماني في إسطنبول، يوم الجمعة، قال الرئيس رجب طيب أردوغان: "تركيا حققت أكبر كشف غاز طبيعي في تاريخها في البحر الأسود". وأرفق التلفزيون الكلمة بمقطع مصور لسفينة حفر في غرب البحر الأسود. وحققت السفينة الكشف على بعد نحو 100 ميل بحري إلى الشمال من الساحل التركي.

وقال أردوغان "هذا الاحتياطي فعلياً جزء من مورد أكبر بكثير. إن شاء الله، سيأتي المزيد. وكدولة تعتمد على الخارج من أجل الغاز لسنوات، نتطلع إلى المستقبل على نحو أكثر أمناً الآن... لن نتوقف حتى نصبح مصدراً صافياً للطاقة".

كذلك أكّد وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز، في تصريحات صحافية، يوم الجمعة، أن بلاده أجرت 9 عمليات حفر في المياه العميقة في البحرين المتوسط والأسود عبر سفينتي "الفاتح" و"يافوز" ولن تتوقف أو ترتاح حتى تكون دولة مصدرة للطاقة.

وتتمسك تركيا بالتنقيب في البحر المتوسط أيضاً، الذي تشير دراسات إلى احتوائه على كميات ضخمة من الغاز الطبيعي. وبحسب مدير مركز الدراسات ديميريل، فإن الفريق التركي حقق ما لم توفق به الشركات العالمية، التي بدأت التنقيب لصالح تركيا منذ عام 2004، فضلاً عن أن الأرقام المعلنة، ستخفف من واردات تركيا من الغاز التي تزيد عن 17 مليار دولار سنوياً، وإعادة النظر بكامل فاتورة الطاقة التي تعدت العام الماضي 41 مليار دولار، ليبدأ عصر تركي جديد في مجال الطاقة، بعد الاستثمار في هذا المجال والتحول إلى التصدير.

وقال إن إنتاج تركيا للغاز الطبيعي سيساعد في تخفيف العجز التجاري، الذي بلغ العام الماضي نحو 30 مليار دولار، متحسناً عن عام 2018 البالغ 54.3 ملياراً بنسبة 44.9%.

وتأتي فاتورة الطاقة الكبيرة والعجز التجاري عاملاً إضافياً للدعاية التي تمارس على تركيا، إضافة إلى الديون المستحقة وتراجع الاحتياطي الأجنبي من 97 مليار دولار العام الماضي إلى نحو 84 ملياراً في نهاية النصف الأول من العام الجاري، إذ وبحسب بيانات تركية رسمية، تستورد تركيا سنوياً أكثر من 90% من استهلاك الطاقة من الخارج أي نحو 53.5 مليار متر مكعب ونحو 360 مليون برميل نفط، لتحتل المرتبة الأعلى من حيث الطلب على الطاقة بين دول منظمة التعاون والتنمية.

لكن محللين يرون أن الاكتشاف التركي في حقل "تونا 1" بالبحر الأسود وغيره من الاكتشافات المحتملة في البحر المتوسط تحتاج إلى سنوات واستثمارات ضخمة حتى تدخل حيز الإنتاج.

غير أن صحبة كربوز، مدير شؤون النفط والغاز لدى مرصد المتوسط للطاقة الذي مقره باريس، قال لوكالة رويترز إنّ تركيا قد تمضي قدماً في قرارات استثمارية بشكل سريع.

وأضاف: "العملية ستمضي بسرعة شديدة من حيث التمويل والوقت والإجراءات. ربما تكون هناك حاجة لمساعدة من شركات أجنبية من الناحية التقنية، لكني أرى 2023 هدفاً معقول".

وفي هذا السياق، قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز إن بلاده ستبدأ استخدام الغاز المحلي اعتباراً من الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية في 2023.

وستتولى مؤسسة النفط التركية إدارة حقل "تونا 1" الذي تبلغ قيمة احتياطيه نحو 65 مليار دولار، بحسب وزير الطاقة، خلال تصريحات صحافية، يوم الجمعة الماضي.

ويرى الخبير الاقتصادي التركي أوزجان أويصال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الإعلان عن "تونا 1" خلق ارتياحاً كبيراً بالأسواق التركية "حتى التفاؤل ساد أوساط أحزاب المعارضة" وتحسن سعر الليرة قليلاً بنسبة 0.095% لتبلغ 7.331 مقابل الدولار، متوقعاً أن يستمر تعافي الليرة التي تراجعت من 5.95 مطلع العام إلى 7.5 ليرات الشهر الماضي.

المساهمون