عيادات الحيوانات في مصر... ناس وناس

عيادات الحيوانات في مصر... ناس وناس

19 نوفمبر 2015
خلال عرض بهلواني في أحد شوارع القاهرة (Getty)
+ الخط -
في الحي الراقي يصبح مشهد مرور أحدهم مصطحباً كلبه في جولة التريض الصباحية أمراً معتاداً لا يستدعي الانتباه، ولا يثير المقعد المحجوز للقطة الشيرازي في المطعم الفاخر أي ضغينة لدى الجالسين في انتظار تناول طعام الغداء، في حي "الزمالك" بالقاهرة لا تعد تربية الحيوانات الأليفة رفاهية، واقتناء القطط والكلاب مجرد فراغ أو احتياج للحراسة، لكنها عادة "أبناء الذوات"، وأحيانا "أصحاب المزاج".

لم تزل الشوارع في الزمالك تحافظ على هدوئها القديم، وما زال باشاوات القرن الماضي قادرين على فرض سطوتهم داخل حدود أرض الزمالك المنيعة، وكذلك أضحت حيواناتهم، فهناك محال الطعام المتخصصة في غذاء الكلاب وأخرى للقطط، وثالثة لبيع ملابس وأكسسوارات خاصة، وإلى جوار الفيلات والعمارات القديمة سكنت العيادة الطبية للحيوانات في الزمالك.

مدخل بناية تعلوه لافتة، لا أحد ينظر إليها غالباً، فقد نالت من الشهرة،ما يكفي لأن يعرفها القاصي والداني في حي الصفوة من المصريين، عيادة طبية متكاملة للحيوانات، أكثر زبائنها الكلاب والقطط، أنواع متباينة وفصائل مختلفة، في العيادة الطبية بالزمالك تتساوى القطة مجهولة النسب التي صدمتها سيارة بالشارع، مع القط "المأصل" ذي الأصل العريق، والنسب الرفيع، تتساوى الفصائل باهظة الثمن مع الأخرى الواردة من ملجأ أو التي تركها أصحابها لغرض غير البيع، في عيادة الزمالك تتساوى "الحيوانات" بينما يختلف "البشر".

في "أبو الريش"، الشارع الأكثر زحاماً في حي السيدة زينب بالقاهرة "عيادة الشعب لعلاج الحيوانات"، يدخل الرجل الخمسيني مصطحباً حماره، يمسكه برفق، ناظراً في باطن عينيه "الحقنا يا دكتور رزق عيالي بعافية"، في اللحظة نفسها تدخل عيادة الزمالك امرأة تصرخ حاملة قطتها في صندوقها الخاص، محاطة بغطاء قطني، لا تنتظر إجابة من أحد، تدخل مهرولة لحجرة الطبيب وما هي إلا ثوانٍ حتى يسمع الجميع صراخها وصوت نحيبها "ماتت"، ترددها ذاهلة بينما تغادر العيادة بخطوات بطيئة، تمر الدقائق طويلة حتى يسمع "عم حسين"، كلمات تطمئنه بأن "رزق العيال" سيعود بأفضل حال وأن حقنة مجانية يومياً بالعيادة كفيلة بأن تجعل حماره الوحيد فرساً عتيداً "الله يخليك للحمير يا دكتور".

لا تتشابه عيادات الحيوانات في الزمالك وأبو الريش، لا الحيوانات فيها، ولا البشر، يختلف الجميع، فالرجل الذي يحرص على ارتداء الماركات، حتى وإن كان في حذاء مهترئ جراء عضات كلبه "الرود فيلر"، لا يشبه "عم حسين" الذي كان حريصاً على وضع قطعة من السكر في فم حماره كل حين، غير مبالٍ بنظرات من حوله لثيابه المهترئة، أو لحبات العرق المتصببة من جبهته دلالة انخفاض معدل السكر في الدم "يا دكتور مش مهم أنا، المهم الحمار".

رائحة الديتول، لا تغادر عيادة الزمالك، بينما تزكم رائحة الحيوانات زبائن "عيادة الشعب". في عيادة الحيوانات "النظافة ليست من الإيمان" فقط، لكنها ضرورة لتجنب شكاوى الجيران، فيتولى "عم ابراهيم" تنظيف المدخل والسلم المؤدي للعيادة كل ساعة من آثار الكلاب والقطط. لم يكن الأمر سيئاً تماماً في عيادة الشعب، فهناك الحاج "سيد" يتولى مسؤولية تنظيف الأرضيات وفضلات الكلاب والحمير وريش الطيور المتساقط، لكنها هنا بلا مقابل. بينما كان مدخل عيادة الزمالك مكانا لـ"ابراهيم" ينتظر فيه زبائن الطبيب الشهير الباكين على أحبائهم الصغار، تسبقه كلمات المواساة وتمنيات الشفاء، وتلحقه أيديهم بجنيهات معلومة في كل مرة، بينما عم سيد ينهي عمله في كل يوم محملاً بنباح المرضى وموائهم "بتبقى أمي داعيالي لو العيان فرخة ولا دكر بط ولا موسم تطعيم إنفلونزا الطيور بينوبنا من البيض جانب".

يختلف الطبيب القدير في الزمالك عن ذلك الشاب الذي يهمل ارتداء قفزاته الطبية، بينما يحرص الآخر على تطهير يديه عقب كل مريض، وكذلك تطهير جيوب مرضاه، فالطبيب الذي لا يحدد قيمة الكشف قبل رؤية الحالة، يخفي عن عيون مرضاه أسماء الأدوية والمحاليل، مستبدلاً العلب الخاصة بها بأخرى كرتونية صماء، لا تحمل اسماً ولا هوية.

كأي طبيب بشري يحتفظ بأسرار مريضه، يجيب طبيب الحيوانات عن أسئلة صاحب الحيوان ومربيه بجملة واحدة مهما كان المرض "ما تقلقش هيبقى كويس"، الزيارة الأولى للطبيب في الزمالك لا تكون الأخيرة عادة، فجدول الزيارات المتكررة هو الشيء الوحيد المدون في وصفة العلاج، في "أبو الريش"، انتهاء الكشف الطبي يعني خياراً من اثنين لا ثالث لهما "الحالة ميؤوس منها" أو"لسه في أمل".

(مصر)

اقرأ أيضاً: "10أسباب" منعت الشباب من المشاركة في الانتخابات... آخرها "البخت"

المساهمون