عن صواريخ المقاومة العبثية

عن صواريخ المقاومة العبثية

21 يوليو 2014

صواريخ المقاومة تنطلق من غزة ضد الاحتلال (19يوليو/2014/Getty)

+ الخط -

تزخر وسائل الإعلام العربية بأصواتٍ وأقلامٍ "عقلانية واقعية"، تمارس هواية الاستهزاء بصواريخ المقاومة، ووصفها بالعبثية، في كل حربٍ يشنها العدو الصهيوني على غزة. وهذا الاستهزاء جزء من التعبير عن رفض خيار المقاومة، بل وتحميل المقاومة وصواريخها، في أحيان كثيرة، مسؤولية العدوان الصهيوني. وينطلق النقاش بشأن عبثية الصواريخ، عادةً، من اختلال موازين القوى بين الاحتلال والمقاومة، فبالنسبة لهؤلاء، لا تنبغي المقاومة، طالما أن الخسائر التي تُحدِثُها أقل بكثير من الخسائر التي يتكبدها الفلسطينيون بفعل آلة الاحتلال العسكرية.

خسائر القوى والكتل الشعبية المقاوِمة أكبر من خسائر المحتل تاريخياً، لكن هذا لم يمنع هذه القوى من رفع كلفة الاحتلال، وإيلام القوى المحتلة، وتهديد أمنها، ومنع استقرارها، وصولاً إلى دفعها لإنهاء حالة الاحتلال. الهدف من المقاومة ليس التفوق على المحتل في القدرة التدميرية، وإنما منع استقراره، والضغط عليه بكل الوسائل المتاحة حتى يُنهي احتلاله، والمقاومة الفلسطينية، على خطى مقاومات أخرى في التاريخ الحديث، تقوم بهذا الأمر، وتُطَوِّر قدراتها لتدفيع المحتل أكبر ثمن ممكن لاحتلاله.

الحديث عن القبة الحديدية الإسرائيلية التي تعترض صواريخ المقاومة، مهم للتدليل على فعالية صواريخ المقاومة، فوجودها بحد ذاته، والحرص على تطويرها، يشير إلى حجم التهديد الذي تشكله صواريخ المقاومة لما يُسمى "الجبهة الداخلية" في الكيان الصهيوني. إن اللجوء إلى هذه القبة لحل إشكالية صواريخ المقاومة، هو إعلان فشل إسرائيلي، إذ اعتاد الاسرائيليون على تحصين جبهتهم الداخلية، عبر الاستراتيجية الهجومية التي تعتمد الهجوم العسكري وسيلةً لضرب أي تهديد ومنعه، لكن الفشل العسكري والاستخباري في ضرب منصات صواريخ المقاومة، وإيقاف انهمارها، دفع إلى الانتقال من الهجوم إلى الدفاع، ببناء القبة الحديدية.

تبلغ كلفة كل صاروخ اعتراضي ضمن القبة الحديدية ما بين 50 و100 ألف دولار، في المقابل، لا تكلف صواريخ المقاومة أكثر من بضع مئات من الدولارات، وعلى الرغم من الاستثمار العالي في القبة الحديدية، لم تُظهِر فعالية عالية في مواجهة صواريخ المقاومة، ولا تتعدى نسبة نجاحها في أفضل التقديرات 20%، بل إن البروفيسور الأميركي في جامعة إم. آي. تي، ثيودور بوستول، يؤكد، في حديثه لإذاعة "إن. بي. آر"، إن النسبة 5% أو أقل. وقد يكون الإعلان الأميركي في أثناء العدوان عن زيادة تمويل القبة الحديدية، محاولةً لزيادة فعالية القبة، ومعالجة تعثرها.

لا يقتصر الثمن الذي تدفعه إسرائيل بفعل صواريخ المقاومة على القبة الحديدية، فالتقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن الكلفة الإجمالية للأضرار الناجمة عن عدوان "الجرف الصامد"، العام الجاري، قد تصل إلى 8.5 مليار شيكل (الدولار يساوي 3.42 شيكل)، وهو رقم يتجاوز كلفة عدوان "عمود السحاب" عام 2012، ويُعزى هذا إلى عدة عوامل، منها توسع العدوان ليشمل عملية برية، ما يكلف أكثر من الاقتصار على الحرب الجوية، كما أن استدعاء عدد كبير من جنود الاحتياط يكلف الكثير، فكلفة خدمة يوم لجندي الاحتياط 500 شيكل، ومع استدعاء 40 ألفاً من جنود الاحتياط في بداية العدوان، فإن هذا يكلف الإسرائيليين حوالي 20 مليون شيكل يومياً، وهي قابلة للزيادة، مع زيادة جنود الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم. لا بد من الأشارة إلى أن أحد أسباب الكلفة العالية في هذه الحرب يعود إلى التطور النوعي في أداء المقاومة، وتوسع الرقعة المستهدفة بصواريخها.

صواريخ المقاومة تكلف العدو الكثير على مستوى القطاع الصناعي، فجمعية الصناعيين في إدارة البحوث الإسرائيلية تقدر الخسائر، بسبب انهمار صواريخ المقاومة في الأيام الثمانية الأولى لعدوان "الجرف الصامد"، بـ 345 مليون شيكل، تتوزع بين 145 مليون شيكل في مصانع جنوب فلسطين المحتلة والمنطقة المحاذية لقطاع غزة، و170 مليون شيكل في مصانع المنطقة الممتدة من تل أبيب إلى حيفا، و30 مليون شيكل في مصانع القدس، وهذا يشمل توقف الإنتاج والضرر الناتج عن غياب الموظفين وخسارة بعض المواد.

هناك، أيضاً، الأضرار في الممتلكات، التي تشمل المباني والمركبات، ويقدّر عدد حالات الضرر في الممتلكات، في عدوان عام 2012 الذي استمر ثمانية أيام، بحوالي 1250 حالة. والضرر يشمل السياحة التي تحتاج عادةً إلى سنة، بعد كل حرب لتنتعش من جديد.

بجانب الضرر المادي، تُحدث صواريخ المقاومة ضرراً نفسياً كبيراً، فالشعور بانعدام الأمن، وتغير نمط الحياة يسود مع سقوط الصواريخ، ويهرع الجميع إلى الملاجئ، من المستوطنين، إلى المسؤولين الإسرائيليين، الذين يقطعون اجتماعاتهم خوفاً من الصواريخ. يساعد هذا في تعزيز مسار الهجرة العكسية من الكيان الصهيوني، وخفض معدل الهجرة إليه، وهذا سببٌ للقلق الوجودي عند الصهاينة.

الصواريخ فاعلة، وليست عبثية، وإذا كان بعضهم يرى قصورها، ومحدودية أثرها، فعليه أن يطالب الأنظمة العربية بدعم المقاومة بما هو أكثر فاعلية، خصوصاً أنها أثبتت قدرتها على تطوير سلاحها على الرغم من الحصار. الصواريخ خيارٌ لا بديل له سوى تقديم التنازلات عبر المفاوضات، وفق عقيدة الاستسلام للعدو، والتي تُكلِّف تقديم ما تبقى من فلسطين للاستيطان الصهيوني.

إذا افترضنا أن الصواريخ مفرقعاتٌ عبثية، فإنها تظل مهمةً من ناحية رمزية، فهي، على الأقل، تُذكّر بوجود مقاومة للاحتلال، وتُبقي القضية حية، وترفض تشويهها وقتلها بالتنازلات.

9BB38423-91E7-4D4C-B7CA-3FB5C668E3C7
بدر الإبراهيم

كاتب سعودي. صدر له كتاب "حديث الممانعة والحرية"، و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".