عن توقيع فلسطين على 15 اتفاقية ومعاهدة دولية

عن توقيع فلسطين على 15 اتفاقية ومعاهدة دولية

10 ابريل 2014

عباس يتسلم وثيقة عضوية فلسطين في الجمعية العامة (أرشيفية)

+ الخط -

في الأول من أبريل/نيسان الجاري، قرر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، التوقيع على معاهداتٍ واتفاقياتٍ دولية، رداً على عدم إفراج إسرائيل عن الدفعة الرابعة المتفق عليها من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لديها منذ ما قبل اتفاقية أوسلو (1993). ولقي القرار ترحيباً عربياً وشعبياً كبيراً، واعتبر بمثابة قول "لا" لإسرائيل؛ خصوصاً أن الرئيس، محمود عباس، كان قد تعهد بعدم السعي إلى الانضمام لأي هيئات دولية، في أثناء مفاوضات السلام، التي تجري برعاية أميركية، والمقرر أن تستمر حتى نهاية الشهر الجاري، ولم تحرز تقدماً يذكر.
ولعل من المهم التأكيد، بدايةً، على أن توقيع الرئيس الفلسطيني على قرار الانضمام إلى هذه الاتفاقيات والمعاهدات، لا يعني أن فلسطين أصبحت تلقائياً جزءاً منها، ذلك أن هناك شروطاً خاصة بكل اتفاقية، لاعتبار الانضمام إليها صحيحاً. وبالتالي؛ فإن الجهة المودعة للاتفاقية يناط بها الآن دراسة الطلب الفلسطيني بالانضمام إليها، غير أنه يُفترض، بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار فلسطين دولة مراقب غير عضو، والذي اتخذ قبل عامين، أن العائق الرئيسي الذي كان أمام فلسطين للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية أُزيح، وأن قبول انضمامها إلى تلك الاتفاقيات غدا مسألة وقت.
وعند النظر في الاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها، يمكن القول، إنها تعد أساسية على الصعيد الدولي، وعناوين رئيسية في حقوق الإنسان، ويمكن أن يراهن عليها لرفع مستوى حقوق الإنسان الفلسطيني محلياً، في نطاق تعامله مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ودولياً، خصوصاً فيما يتعلق بتعامله مع الاحتلال.
فهناك اتفاقيات جرى التوقيع عليها؛ مثل اتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية وملحقها، واتفاقيات جنيف الأربعة، وهي اتفاقيات تنظم وضع الحروب وحالات الاحتلال، ويُفترض أن تؤثر بشكل مباشر على الصراع الدائر مع الاحتلال الإسرائيلي. وتنص هذه الاتفاقيات على حماية المدنيين وقت الحرب، وبمقتضى نصوصها، يكون من حق أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية مجابهة الاحتلال في حالة دخوله إحدى المدن الفلسطينية، وينبغي التعامل معهم أسرى حرب، في حال اعتقلتهم إسرائيل. ويعترف البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، ولم توقع عليه إسرائيل، بحركات التحرر الوطني، وينص على أن أسرى حركات المقاومة، ضمن شروط معينة، يعدّون أسرى حرب، ويجب معاملتهم على هذا الأساس، وهو ما لا تلتزم به إسرائيل.


الجديد في التوقيع على هذه الاتفاقيات، أيضاً، أن التنصل الإسرائيلي من التعامل مع أسرى حركات التحرر، كأسرى حرب، لأَن إسرائيل ليست طرفاً في البروتوكول الأول، أصبح غير ذي صلة، فاتفاقية جنيف الثالثة، والتي تعد إسرائيل طرفاً فيها، تقضي بأن أفراد حركات المقاومة الذين ينتمون إلى دولة طرف في النزاع، ينبغي أن يُعدّوا أسرى حرب، شريطة التزامهم بشروطٍ ذات بعد ميداني (كأن يميزوا أنفسهم عن المدنيين).
وعموماً، يمكن القول، إن كون فلسطين طرفاً في اتفاقيات جنيف، وملحقاتها، سيجعلها في موضع أفضل لمطالبة إسرائيل بالالتزام بتطبيق نصوص تلك الاتفاقيات، ويفتح المجال أمام تدويل قضية الأسرى. وهذه الاتفاقيات، وغيرها من التي وقع عليها في القرار نفسه، يمكن أن تساعد الفلسطينيين، إذا ما أحسنوا استثمارها، في حشر دول العالم، لتغدو أكثر صرامة في التعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية، لأن الاتفاقيات التي تعد هذه الدول جزءاً منها تلزمها اتخاذ موقف إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب ضد دولة أخرى، عضو في الاتفاقية.
والجدير بالتنويه، هنا، أن فلسطين حصلت سابقاً على قرارات دولية عديدة، ومؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، وانضمت إلى اتفاقيات عديدة، غير أن الإشكال تمثّل في أن الفلسطينيين أنفسهم لم يسعوا إلى استثمار هذه القرارات، وتفعيلها دولياً وشعبياً بشكل سليم (قرار محكمة العدل الدولية هدم جدار الفصل العنصري نموذجاً)، ما يعني أن هذه الاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها لا تتحرك آلياً، بل يجب أن يكون هناك جهد فاعل وحقيقي لاستثمارها.
ولن تكون دول العالم الموقعة على الاتفاقيات نفسها، في النهاية، ملكية أكثر من الملك، وهي في بعض المواقف، لسبب أو لآخر، قد لا تتصرف إزاء بعض الانتهاكات الكبرى لحقوق الإنسان والشعوب. وهنا، يصير مطلوباً من الشعوب أن تمتلك من الذكاء والشجاعة ما يجعلها تستطيع الجمع بين العمل الدبلوماسي القانوني، والفعل النافذ على الأرض، بما يضمن لها استرداد حقوقها ونيل حريتها، وبما يجعل الدول الأخرى تضطر الى التحرك لوقف الانتهاك، أو على الأقل، التزام الصمت، بدل الاستمرار في انتقاد رد الفعل الفلسطيني، مع غض النظر عن الفعل الابتدائي الإسرائيلي.
وفي المقابل؛ تلزم هذه الاتفاقيات الفلسطينيين العمل بمقتضى نصوصها؛ ومن ذلك عدم جواز قتل المدنيين الإسرائيليين، أو التعرض للمباني والمرافق الإسرائيلية العامة والخاصة، والتي لا علاقة لها بالعمليات العسكرية الإسرائيلية، ومحاسبة من يفعل ذلك.
وقد يضع الانضمام إلى هذه الاتفاقيات قيوداً أمام حركة التحرر الفلسطينية غير ملائمة مع وضعها حركة تحرر وطني، إذ عادة ما تكون هذه القيود موضوعة للدول، والمثال الذي أوردناه، آنفاً، أن على أفراد المقاومة تمييز أنفسهم عن المدنيين، وحمل سلاحهم علناً، مثال على هذه القيود. وبالتالي، يمكن القول، إن أي تحرك فلسطيني مقاوم لا يتوافق مع المعايير الدولية (كالهجمات على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948) سيمثل عملاً تمارسه دولة ضد أخرى، وستكون الدولة الفلسطينية مسؤولة عن منعه. بينما ذلك، في الحقيقة، يخالف الواقع القائم على الأرض، حيث نحن أمام حركة تحرر وطني، وليست دولة تمتلك السيادة الفعلية على أراضيها. ومن المهم الإشارة إلى أن ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، والذي يمكّن فلسطين من المطالبة بمحاكمة القادة الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب أمام المحكمة، ليس من الاتفاقيات التي حظيت بالتوقيع الفلسطيني.
ويمكن أن ترتب الاتفاقيات الأخرى التي تم التوقيع عليها، كاتفاقيات فيينا (لقانون المعاهدات، للعلاقات الدبلوماسية، للعلاقات القنصلية)، آثاراً ذات بعد بروتوكولي ودبلوماسي رسمي، من حيث استقبال الدول ممثلي فلسطين، واستقبال فلسطين الوفود الأجنبية الحكومية، مع إمكانية الاحتجاج، في حال رفضت إسرائيل دخول سفراء بعض الدول إليها.
وعلى الصعيد المحلي للمواطن الفلسطيني، يعد التوقيع على اتفاقياتٍ، كالعهدين الدوليين، واتفاقيتي مناهضة التعذيب وحقوق الطفل، وغيرها، من شأنه أن يحسن من مستوى الحقوق الفردية للمواطنين. ذلك أن هذه الاتفاقيات تسمو على القانون الفلسطيني، وبالتالي، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها المختلفة، لا سيما الأمنية منها، ستكون ملزمةً بها، وفي حال انتهاكها، فإن الاتفاقيات نفسها تعالج أدوات الرقابة والمحاسبة الخاصة بكل منها. وتنص هذه الاتفاقيات على حقوقٍ أساسية عديدة للإنسان، منها حرية الرأي والتعبير، وحق التجمع السلمي، ومنع الاعتقال التعسفي، وضمان المحاكمة العادلة، وتجريم التعذيب، وهي حقوق انتهكتها السلطة الفلسطينية مرات ومرات.
وعلى أي حال، المرغوب فيه، الآن، أن تعمل القيادة الفلسطينية على الاستفادة من نصوص الاتفاقيات التي وقّعتها، بما يرفع من مستوى الحقوق الممنوحة للشعب الفلسطيني، ويزيد من فعاليتها، لا أن يكون هذا التوقيع مجرد رد فعلٍ للضغط في مسألة المفاوضات، ينتهي بانتهاء السبب الدافع له.

E6B8C271-E1B4-44F9-87C5-3DEFEDE8DC54
إحسان عادل

مستشار قانوني في المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الانسان حاصل على الماجستير في القانون الدولي الإنساني، له عدة أبحاث ودراسات حقوقية.