الاعتقال الإداري يخالف القانون الدولي

الاعتقال الإداري يخالف القانون الدولي

02 يونيو 2014

مسيرة في رام الله لنصرة الأسرى (فرانس برس)

+ الخط -
يقوم الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات طويلة باعتقال أعداد كبيرة من الفلسطينيين، تحت إطار ما يسمى "الاعتقال الإداري"، والذي يُعرف بأنه حرمان شخص ما من حريته، بناءً على أمر من السلطة التنفيذية، وليس القضائية، ومن دون توجيه اتهامات ضده، ما أدى، أخيراً، إلى إضراب المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال الإسرائيلي (عددهم يقارب 200) عن الطعام، وقد بدأ منذ 24 إبريل/ نيسان الماضي وما زال مستمراً. 

قوانين إسرائيل في فرض الاعتقال الإداري:

عند النظر في القوانين والأوامر العسكرية التي تستند إليها السلطات الإسرائيلية، في ممارسة هذا الاعتقال، سنجد أنها تبيح الاعتقال الإداري، بل وتعطي صلاحيات واسعة للحاكم العسكري، في ما يتعلق بإصدار أوامر بالاعتقال الإداري، فتنص المادة 111 من أنظمة حالة الطوارئ التي فرضتها سلطات الانتداب البريطانية على فلسطين في 1945، والتي تستمر إسرائيل بالعمل بها، على أنه: "يجوز لأي قائد عسكري، بأمر يصدره، أن يأمر باعتقال أي شخص يسمّيه في الأمر، مدة لا تزيد على سنة واحدة"، أما الأمر العسكري رقم 378، فتنص المادة 85 (أ) منه على أن "للقائد العسكري أن يصدر أمراً (بالتقييد)، بحق أي شخص تحقيقاً للأغراض التالية، كلها أو بعضها: ...(4) فرض القيود عليه بشأن استخدامه، أو إشغاله، أو بشأن علاقاته مع الآخرين، وبشأن نشاطاته المتعلقة بنشر الأخبار والآراء...".
ومع أن "إسرائيل" ترفض انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية، وهو ما تخالفه فيها كل الجهات والمنظمات الحقوقية الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، إلا أنها، في الوقت نفسه، تدعي أنها في إصدارها أوامر الاعتقال الإداري، تستند إلى المادتين 42 و78 من الاتفاقية، اللتين تجيزان لدولة الاحتلال اعتقال أشخاص مدنيين "لأسباب أمنية قهرية"، أو في حالة اقتضى أمن دولة الاحتلال "بصورة مطلقة" اتخاذ إجراء كهذا.
 
مخالفة القانون الدولي:
بينما تؤكد المادتان على أن هذا الاعتقال ينبغي أن يكون إجراءً استثنائياً، بحيث لا يتم اللجوء إليه إلا إذا وجدت أسباب أمنيّة قهرية، أو إذا اقتضى ذلك بصورة مطلقة أمن دولة الاحتلال، وبينما تؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في شرحها المادة 78، على أنه "يجب الحفاظ على الطبيعة الاستثنائية لهذه المادة"، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم هذا الاعتقال بشكل واسع جداً، ولتقييد أنشطة سياسية سلمية غالباً، ولقمع أي معارضة لسياساتها الاحتلالية.
فمثلاً، بعد اتفاقية أوسلو، اعتقلت إسرائيل عشرات الناشطين من حركة فتح، وحماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجهاد الإسلامي، والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، بسبب معارضتهم الاتفاقية، وبلغ عدد المعتقلين حينها نحو 850 معتقلاً إدارياً. كما تعتقل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بشكل شبه أسبوعي، فلسطينيين، شاركوا في الأنشطة السلمية ضد جدار الفصل في القرى التي يمر فيها الجدار، منها بدرس ونعلين، ثم يتم وضعهم رهن الاعتقال الإداري. وكان الباحث عبد الناصر فروانة، المختص بقضايا الأسرى، قال إن مجمل قرارات الاعتقال الإداري التي صدرت بحق المعتقلين الفلسطينيين في السنوات العشر الأولى من انتفاضة الأقصى (2000 ـ 2010م)، قد بلغت 21 ألف قرار، ما بين اعتقال إداري جديد وتجديد الاعتقال الإداري. وهو ما دفع لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، إلى القول إن سياسة "الاعتقال الإداري" الإسرائيلية ليس لها ما يبررها، باعتبارها ضرورة أمنية.
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل استخدمت أوامر الاعتقال الإداري في حالات عديدة، كمحاولة منها لحمل المعتقل على التعاون معها، أو كنوع من العقاب، لرفضه القيام بذلك. وكثيراً ما تصدر إسرائيل أوامر بالاعتقال الإداري بحق أشخاصٍ، تثبت عليهم التُّهم الموجهة إليهم، لكنها تفضّل أن تحاكمهم في إطار الاعتقال الإداري، لأنه قد يمتد مدة تزيد عن العقوبة المقررة للتهمة المنسوبة إلى المتهم. كما تستخدم إسرائيل الاعتقال الإداري، أحياناً، وسيلة للعقاب الجماعي، أو لمعاقبة الذين لا تتوفر ضدهم أدلة كافية لتقديمهم إلى المحاكمة، أو حتى لترهيب المحامين والصحافيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، ولجمهم عن فضح الانتهاكات الإسرائيلية.
 
انتهاك المعايير الدنيا لحقوق الدفاع
ويحدد القانون الدولي معايير لا يجوز انتهاكها عند إجراء الاعتقال، وتعد جزءاً من القانون الدولي العرفي، لا يجوز انتهاكها بأي حال، وإلا كان الاعتقال تعسفياً. ومن هذه المعايير:
1. تبليغ الشخص بالأسباب المبرّرة لاعتقاله، بصفة عاجلة وبلغة يفهمها.
2. يجب النظر في قرار الاعتقال، بواسطة محكمة مختصة، وفي أقرب وقت، وأن تفحص المحكمة هذا القرار دورياً، بواقع مرة كل ستة أشهر على الأكثر، وأن يتاح للأشخاص الاستئناف على القرار، وأن تنهي احتجاز الفرد، فور انتفاء الأسباب التي دفعت إليه.
3. أن تجري المحاكمة أمام محكمة مستقلة، ونزيهة، ومشكلة تشكيلاً قانونياً. ويعني ذلك أن المحكمة ينبغي أن تكون قادرةً على تأدية أعمالها بشكل مستقل عن الحكومة، وألا يتصرف قضاتها بطريقة تساند مصالح طرف من الأطراف.
4. اعتبار الشخص بريئاً من التهمة الموجهة إليه حتى إثبات العكس، وينبغي أن يفسَّر الشك لصالحه.
5. توفير الحقوق الأساسية في الدفاع، منها: حق الشخص في الدفاع عن نفسه، أو بمساعدة محام، وحقه في الحصول على وقت كافٍ لتحضير دفاعه، وحقه في الاتصال بمحاميه بحرية، وحقه في استجواب الشهود، ووجود مترجم فوري، وأن تتم المحاكمة من دون تأخير لا موجب له.
6. حق السجين في صرف تعويض له، إذا ثبت أن اعتقاله كان غير شرعي.
ويعدّ أي اعتقال خارج نطاق القواعد التي سبق ذكرها اعتقالاً تعسفياً، واحتجازاً غير مشروع، ما يعدّ، حسب المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، من المخالفات الجسيمة التي ينبغي على الدول الاطراف في الاتفاقية تجريمها، وفرض عقوبات جزائية فعّالة عليها، بل وحتى ملاحقة المتهمين باقترافها، أيّاً كانت جنسيتهم.

وبالطبع، تنتهك إسرائيل، في الاعتقال الإداري، كل تلك المعايير السابقة، حيث يصدر قرار الاعتقال الإداري من دون إعلام المتهم بسبب اعتقاله، وهو لا يعتمد على تهمة مؤكدة، أو إثباتات واضحة، بل يقوم على ذرائع سرية غالباً، ولا يسمح للمتهم، ولا لمحاميه، بالاطلاع على ملف القضية، بحجة سرّية الملفات، ما يمثل انتهاكاً لحق المعتقل في الدفاع، ويعني إمكانية أن يصبح الشخص رهن الاعتقال الإداري، بدون أدلة أو محاكمة، وإنما على أساس معلومات استخباراتية سرية، تدّعي أنه يشكل خطراً أمنياً.


وطبيعة هذه الادعاءات لا تكون معروفة، إلا من جهات معنية، هي: دائرة الأمن العام (الشَّاباك)، والتي تزوّد بالمعلومات والمواد الأمنية، والقائد العسكري الذي يوقّع على أمر الاعتقال، والمدّعي العام العسكري، والذي يعدّ مستشاراً وممثلاً لقائد قوات الجيش، والقاضي العسكري، والذي من المتوقع أن يقوم بـ"الاستعراض القضائي" للحكم. ولا تترك هذه الدائرة، المغلقة بإحكام، حتى ذرة من الشفافية، ولا تسمح للمعتقل بالدفاع عن نفسه، وتعفي المدعي من عبء الإثبات، وتحول دون كتابة قرار مسبَّب من القاضي.

كما أن القاضي العسكري الذي يستعرض قرار الاعتقال الإداري، لا يتوفر على عنصري الاستقلالية والنزاهة سالفي الذكر، ذلك أن الذي يعيّن هذا القاضي العسكري هو الحاكم العسكري الذي يصدر، أصلاً، الأمر باعتقال شخص ما اعتقالاً إدارياً! وهو ما يُنتج أن هناك مئات الفلسطينيين الذين تعتقلهم إسرائيل رهن الاعتقال الإداري، يقضون مدداً طويلة، من دون تقييم حقيقي لإمكانية الاعتماد على المواد السرّية التي تُستخدم ضدهم.

ولعلَّ نظرة في الأرقام والإحصاءات تثبت صحة ما نقول، فطبقاً لمعطيات الجيش الإسرائيلي، بين أغسطس/ آب 2008 إلى يوليو/ تموز 2009، أصدر الحاكم العسكري الإسرائيلي 1.678 أمر اعتقال إداري. وحين عرض هذه القرارات على محاكم الدرجة الأولى لفحصها، ألغى القضاة 82 أمراً منها، يعني ما نسبته 5% فقط.

يضاف إلى ما سبق، أن القانون الدولي يوجب أن تعقد المحكمة داخل المناطق المحتلة، لا في مناطق دولة الاحتلال، غير أن إسرائيل تخالف ذلك، وتعقد محاكمات الفلسطينيين داخل المناطق الإسرائيلية، وتُجري جلسات قضائية للبت في الاعتقال الإداري في منشآت الاعتقال داخل إسرائيل. والمشكلة أن هذه المناطق يصعب وصول الفلسطينيين إليها، ما يعيق المحامي الفلسطيني عن رؤية موكّله.
 
التوصيف الأمني للسجين الإداري
عندما تقرر إسرائيل اعتقال شخص إدارياً، وتنقله إلى سجونها، ليقضي مدة الاعتقال، فإنها تصنّفه ضمن فئة السجناء الأمنيين، وهو وصفٌ تطلقه مصلحة السجون الإسرائيلية "على كل مَن دين، وحكم عليه جرّاء ارتكاب جنحة، أو أنه معتقل جراء الاشتباه بتنفيذه جنحة، التي بناءً على ماهيتها أو ظروفها، صنفت على أنها جنحة أمنية ساطعة، أو أن الدافع لارتكبها كان على خلفية قومية".


وعلى الرغم من أن المعتقلين الإداريين معتقلون بلا تهمة، فإنهم يصنّفون ضمن هذه الفئة. وتظهر أهمية هذا التصنيف، حينما نعلم أن إسرائيل تضيّق من نطاق الحقوق الممنوحة للسجناء المصنفين كأمنيِّين، حيث يُحرمون من حقوق ممنوحة للسجناء غير الأمنيين، ومن ذلك مثلاً، حرمانهم من الزيارات الزوجية (الاختلاء)، ومن الحق في المكالمات الهاتفية، ومن الاستفادة من قانون الإفراج المبكر، والذي غالباً ما يستفيد منه السجناء الآخرون.
 
ما المطلوب؟
في ضوء التوضيح السابق لتعارض الاعتقال الإداري وما يتصل به مع القانون الدولي، يغدو من المهم، والمعتقلون الصابرون يتجاوزون الشهر في الإضراب عن الطعام، أن توضع هذه القوانين في الاعتبار، في أثناء التفاوض على حقوقهم مع السلطات الإسرائيلية. فهذه الحقوق ثابتة، وتعد حداً أدنى في القانون الدولي، كما سلف بيانه، والأصل أن تُعطى لهم، أصلاً، بدون الحاجة إلى إضرابات. وعليه، يغدو من المهم، الآن، مطالبة إسرائيل بإلغاء الاعتقال الإداري، أو تضييقه، بحيث يصبح في حالة الضرورة الأمنية المطلقة، وأن يتم تعديل الأوامر العسكرية الإسرائيلية على هذا الأساس، حتى يكون التنفيذ مضموناً. وأن تُمنح للسجناء حقوقهم في الدفاع، ومعرفة التهم المنسوبة إليهم، ومواجهتها. وأخيراً، أن تتوقف إسرائيل عن تصنيفهم سجناء أمنيين، كما ينبغي أن يكون الاتفاق مكتوباً، وأن يُنشر في وسائل الإعلام ويعلَّق في ساحات السجون. إذا حصل هذا، عندها يمكن أن نقول إن هذا الإضراب حقق نجاحاً ملحوظاً، يمكن البناء عليه، ولمس آثاره في المستقبل.

 
E6B8C271-E1B4-44F9-87C5-3DEFEDE8DC54
إحسان عادل

مستشار قانوني في المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الانسان حاصل على الماجستير في القانون الدولي الإنساني، له عدة أبحاث ودراسات حقوقية.