عن اعتقال أحمد منصور

عن اعتقال أحمد منصور

23 يونيو 2015
+ الخط -
عدم وجود ضمانات كفيلة تضمن المحاكمة العادلة والمعاملة المماثلة للمسلّم، مثل الجاني الذي ينتمي إلى البلد المسلّم له، مبرر كاف لكي تمتنع ألمانيا، أو ترفض تسليم الصحفي المصري في قناة الجزيرة أحمد منصور إلى السلطات المصرية، لأن القضاء في مصر مطعون في شرعيته ومصداقيته، والأحكام التي صدرت عنه ضد الرئيس محمد مرسي ومعتقلين سياسيين اعتقلوا عقب الانقلاب العسكري الذي عرفته البلاد، دليل على رجاحة هذا المبرر.
حتى وإن كان هناك اتفاق مصري ألماني يقضي بتسليم المتهمين بارتكاب أفعال مجرمة، فأغلب الاتفاقات المتعلقة بالتسليم تكون مقيدة بشروط، ومسيجة باستثناءات معينة. في مثل هذه الحالات، غالباً ما يكون القرار القضائي سيادياً، وتراعى فيه عدة اعتبارات. والنظام القضائي المصري الحالي لا يتيح أي إمكانية للمحاكمة العادلة، بحكم تبعيته وعدم استقلاليته عن النظام الذي يحكم مصر اليوم.
مهما اجتهد النظام المصري في تلفيق تهم للصحفي أحمد منصور، لا تدخل في نطاق التهم الإجرامية التي تشكل استثناء على قاعدة التسليم، فالقضاء الألماني الذي لا يشبه قضاء مصر لا يمكن له المغامرة بالصورة الحقوقية لألمانيا أمام العالم. والقضاء الألماني نزيه وحر ومستقل، وسيستنتج من الأوراق التي ستصل إليه من الدولة المصرية أن أسباب مطاردة أحمد منصور ترتبط بمواقفه السياسية من النظام العسكري. لهذا، من غير المستبعد إطلاق سراح منصور، بعد تكييف التهم الموجهة إليه من القضاء الألماني، وفق القوانين الداخلية والاتفاقات الدولية الخاصة بالتسليم، والتي تحدد شروطه وإجراءاته. القضية محسومة لاعتبارات قانونية عدة، منها عدم وجود اتفاق ألماني مصري، يقضي بتسليم المتهمين، مادام أن الاحتكام لقاعدة المعاملة بالمثل، أو للعرف الدولي، تبقى مستبعدة جداً لدى الجانب الألماني.
إذا سلمت ألمانيا أحمد منصور، بناء على طلب نظام يقوده رئيس مطارد دولياً، بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي اقترفها في حق المواطنين المصريين في ميدان رابعة العدوية بدم بارد، فصورة القضاء الألماني ستتعرض للخدش، وسيفهم العالم أنها بهذا القرار تمنح شرعية لنظام يقوده جنرال انقلب عن الشرعية الديمقراطية للرئيس المنتخب، وتورط في قتل آلاف المصريين.
كان أولى بألمانيا التي اعتقلت الصحفي أحمد منصور أن تعتقل الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي زار أراضيها قبل أيام، بسبب ما اقترفه من جرائم تستدعي محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ومعلوم لدى الباحثين في القانون الدولي أن مسألة تسليم المطلوبين تخضع لشروط وإجراءات مقيدة باستثناءات، منها عدم التسليم لأسباب عسكرية أو سياسية، ومهما حاول النظام في مصر تلفيق تهم غير سياسية، وذات طابع جنائي للصحفي أحمد منصور، فالمؤكد أن القضاء الألماني له كامل الصلاحية في اتخاذ القرار المناسب على ضوء الاستنتاجات التي سيصل إليها.
من جانب آخر، تعد مصر من بين الدول التي لازالت تعمل بالعرف الدولي، فهي تتوفر على تشريع داخلي ينظم التسليم، غير أنها لم تعقد سوى معاهدات قليلة بشأن التسليم. ففي غياب وجود اتفاق ألماني مصري يقضي بالتسليم، يمكن للجانب المصري أن يلجأ، كما سبقت الإشارة، إلى العرف الدولي، غير أن هذا الأمر يتوقف على موافقة الجانب الألماني، والذي يمكن له ألا يأخذ به من الأساس، لأن هناك دول تشترط وجود اتفاق أو معاهدة للتسليم.
وفي قضية التسليم، يمكن الأخذ بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، أو بالعرف الدولي، أو بمبدأ المعاملة بالمثل. وفي هذا السياق، انقسم الفقه بخصوص مسألة التسليم إلى مذهبين: الأميركي الذي لا يقبل التسليم إلاّ إذا كان مسبوقاً بمعاهدة. الفرنسي: يقبل التسليم خارج الاتفاق الدولي، ويشترط في ذلك أن يتّم وفقا للقانون.
ومثالاً، سبق للمحكمة العليا في الجزائر، بموجب القرار الصادر يوم 11 يوليو/تموز 1978، أن وافقت على تسليم الألماني، شولت فرانز جوزيف، وزوجته أوسترايديت، إلى السلطات الألمانية من دون سابق اتفاق دولي للجزائر معه. وبهذا القرار، تكون قد انتهجت المذهب الفرنسي في التسليم، فهو لا يمكن أن يتم خارج قانون التسليم، كما لا يمكن أن يبقى مقيدا بوجود معاهدة سابقة.
وفي حالة الصحفي أحمد منصور، هناك اعتبارات سياسية وراء طلب مصر الذي يقضي باعتقاله وتسليمه لها. وفي هذا الصدد، أورد الفقهاء حججاً تبرر عدم تسليم المجرم السياسي، منها: أن المجرم السياسي ليس من العصاة، إذ يتميّز بالشرف والأخلاق الحسنة، وأنّ دافع الوطنية هو الذي دفع به إلى إصلاح النظم التي يعتقد أنها خطأ أو صواب لا تحقق المصلحة الاجتماعية. وأن تسليم المجرم السياسي قد يوتر العلاقات بين الدول، إذا ما تطورت الأحداث إلى حصول انقلاب في النظام السياسي للدولة طالبة التسليم. واعتبار الإجرام السياسي منبع الدولة وأنظمتها. وقد يعرض تسليم المجرم السياسي إلى فرض عقوبات قاسية وشديدة، على غرار المجرم العادي، لأنّ تحقيق العدل في الجرائم السياسية أصعب منه في الجرائم العادية.
avata
avata
خالد أوباعمر (المغرب)
خالد أوباعمر (المغرب)