عن استهداف الفعل الحقوقي في المغرب

24 سبتمبر 2014
+ الخط -

كيف يمكن للسلطة في المغرب أن توفق بين الحرب على التطرف ومواجهة مخاطر ما تسمى الخلايا الإرهابية النائمة التي تهدد الأمن والاستقرار في البلاد، وبين الحرب على الصحافة المستقلة والتنظيمات الحقوقية المناضلة والمكافحة من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، لتلجيم دورهما في الدفاع عن حق المواطن المغربي في الوصول إلى المعلومة، وفي احترام حقوق الإنسان والحريات العامة بشكل عام؟

بعيداً عن منطق التبخيس، ونظرية المؤامرة، يبقى  الجواب العقلاني على التساؤل المطروح أعلاه هو المدخل الكفيل بتوضيح طبيعة الأسلوب الذي تدار به شؤون البلاد والعباد.

الحرب على الإرهاب، بكل تمظهراته الفكرية والعقدية، معركة تحتاج وجود جبهة وطنية، مسؤولة وواعية بحجم المخاطر والتحديات لتمنيع المجتمع وتحصينه، حقوقياً وفكرياً وتربوياً وثقافياً من الداخل، لأن المقاربة التي تؤسس لقمع حقوق الإنسان، والمس بحريات المواطنين، المدنية والسياسية والثقافية، والتضييق على أنشطة المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، مقاربة سيتم استغلالها، من دون أي شك في ذلك، من التنظيمات الإرهابية المتطرفة لاستقطاب مزيد من العناصر اليائسة والمتطرفة التي تعيش بيننا.

في دولة مثل المغرب، لا زالت تعاني مشكلات اجتماعية عويصة، ولا زالت نسب الهشاشة والفقر والبؤس والأمية والجهل فيها، جد مرتفعة وغير مرضية، حسب ما تنشر تقارير دولية مختصة، يصبح مطلوباً من الجهات التي تدير شؤون هذا البلد، المزيد من الاجتهاد والمثابرة في العمل، من أجل رفع منسوب الحريات المدنية والسياسية، وتعزيز حقوق الإنسان، وتوسيع هامش المبادرة، وزرع قيم المحبة وفق مبادئ التعايش والتسامح والإخاء والوسطية والاعتدال.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تعرضت لهجوم شرس من وزير الداخلية المغربي في البرلمان، وتتعرض أنشطتها للمضايقات في عدة مدن، كما تشير إلى ذلك بياناتها الاستنكارية، منظمة حقوقية وطنية، تزاول أنشطتها الحقوقية، على غرار باقي المنظمات الحقوقية الوطنية الأخرى، في إطار احترام تام للتشريعات الوطنية والدولية المؤطرة للفعل الحقوقي.

وتتشكل قاعدتها الجماهيرية الواسعة والمحترمة، من مواطنين مغاربة، يمارسون نضالهم الحقوقي داخل بلدهم من دون أي مساس بثوابت الدولة، بغض النظر، عن مواقفهم وتقييمهم خيارات هذه الأخيرة الاستراتيجية، والتي لا يمكن بأي حال احتكار وضع خطوطها الرئيسية، خارج إطار المقاربة التشاركية مع باقي الفاعلين الأساسيين في الدولة والمجتمع.

وحتى الموقف من قضية الوحدة الترابية للمغرب، الذي يناقش في مؤتمراتها، ويقع فيه الشد والجذب بين أطرافها، غالباً ما يحسم  النقاش فيه، بتبني موقف دعم الخيار الديمقراطي في تسوية نزاع الصحراء المغربية، على اعتبار أن الملف يعالج في الإطار الأممي، وبرعاية مبعوث شخصي للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، متوافق عليه من المغرب وجبهة البوليساريو.

إذن، لماذا هذه الردة الحقوقية؟ لماذا يحن صناع القرار في الدولة المغربية إلى العودة بمسألة حقوق الإنسان سنواتٍ إلى الوراء؟ لماذا هذا التشنج في العلاقة مع جمعية حقوقية وطنية يناضل من داخلها طيف سياسي مغربي، يرغب في التعبير عن آرائه ومواقفه بكل حرية؟ متى كان خيار الحرب على المنظمات الحقوقية والناشطين في مجال حقوق الإنسان خياراً ناجعاً وموفقاً في المغرب؟ ماذا ستربح الدولة المغربية من قمعها الحريات وتضييقها على أنشطة المنظمات الحقوقية داخلياً؟ وماذا ستخسر، في مقابل ذلك، أمام المجتمع الدولي؟

الحكمة تقتضي من العقلاء في مربع السلطة في المغرب، ترتيب أولويات الدولة وتحدياتها، وتقييم سياساتها العمومية بمنهجيةٍ، تأخذ في الاعتبار صورة المغرب وسمعته في الداخل والخارج، في ظل الاتهامات التي توجه للمملكة من خصومها في المحافل الحقوقية الدولية.
 
والحكمة السياسية في التعاطي مع الفعل الحقوقي في المغرب مطلوبة، اليوم، في تدبير شؤون الدولة، التي ينبغي عليها ألا تشتت تركيزها وجهودها في مواجهات وحروب داخلية صغيرة، تضرها ولا تنفعها وطنياً وإقليمياً ودوليا. ما هو أمني وحيوي وجيواستراتيجي للمملكة المغربية يتطلب تعبئة وطنية شاملة ومسؤولة، تتضافر فيها جهود كل الأطراف داخلها، من أجل تمنيع وتحصين المكتسبات التي راكمتها الدولة المغربية خلال عقود، بدل التفريط فيها، بسياسات خاطئةٍ، لا تنظر للتحديات والمخاطر التي تتهدد أمن الأوطان واستقرارها نظرة ثاقبة وواعية في ظل عالم متغير.

avata
avata
خالد أوباعمر (المغرب)
خالد أوباعمر (المغرب)