عن "ضمان الأمن وتطبيق القانون"

عن "ضمان الأمن وتطبيق القانون"

14 يناير 2017
+ الخط -
سقطت، في شهر أغسطس/ آب من السنة الماضية، طائرة عسكرية روسية في بلدة في محافظة إدلب السورية، وقتل كامل طاقمها، وعلّقت وزارة الدفاع على ذلك بالقول إنّ طائرتها كانت "تشارك في العملية الإنسانية الجارية في حلب"، ونعلم جيداً ما هي العملية الإنسانية التي تقوم بها روسيا في سورية.
وفي تعليق مشابه، لكن هذه المرّة بعيداً عن سورية وروسيا، نفت المديرية العامة للأمن الوطني في المغرب في بيان لها، أن تكون القوات العمومية قد تدّخلت بشكل عنيف لتفريق المحتجين في "ساحة الشهداء" في مدينة الحسيمة، وقالت إنّ "عناصر الأمن لم تستخدم القوة من أجل تفريق المتجمهرين"، وأكدت أنّ "ما تمّ ترويجه من أخبار تزعم قيام مصالحها باعتقال أو توقيف أيّ شخص، أو اتخاذ أيّ إجراء مقيّد أو سالب للحرية في حق أحد المتجمهرين، مجانب للحقيقة".
على الرغم من أنّ مواقع نقلت أخباراً تفيد باعتقال أزيد من 60 شخصا في بداية الساعات الأولى من يوم الخميس 5 يناير الجاري، وأطلق سراحهم في حدود الساعة العاشرة صباحاً من اليوم نفسه. سنعتبر هذه أخبارا كاذبة، وأنّ الأمن لم يسلب حرية أحد ولا اعتقل أحد، جيد، ولكن لنعد إلى البيان لنورد فقرة أخرى، إذ شدّدت المديرية على أنّ "عناصر القوة العمومية حرصت على ضمان الأمن وتطبيق القانون، بعدما عمد بعض الأشخاص إلى محاولة نصب خيام في ساحة عمومية، وعرقلة أنشطة مرخص لها من السلطات العمومية".
لا أعلم، هل أنا الوحيد الذي يبدو له التناقض في الكلام السابق أم أنّ الكل لاحظه، بعد أن أكدت المديرية عدم استخدامها للقوة لتفريق المتظاهرين، وهاهي تؤكد على أنّ عناصرها حرصوا على تطبيق القانون وحفظ الأمن! ما معنى هذا؟ كما أنّها قالت إنّ أشخاصاً كانوا بصدد إنشاء خيام، قصد الاعتصام، وهذا من أشكال الاحتجاج التي لا تخالف القانون، لكن المديرية اعتبرت ذلك عرقلة لأنشطة مرّخص لها، لكن السؤال: كيف طبقت القانون؟ وحفظت الأمن ومنعت (عرقلة النشاط)؟
سنسترسل قليلا في البيان، فلعلنا نجد ضالتنا، قالت المديرية إن "عناصر القوة العمومية التزمت باستعراض تشكيلاتها النظامية بعين المكان، وطالب رئيس الدائرة الأمنية المختصة من المتجمهرين إخلاء الساحة، مردّدا عليهم الإنذارات القانونية، ما نجم عنه انسحاب هؤلاء الأشخاص وتدافعهم بشكل عرضي نحو مجموعة من الشوارع والأزقة القريبة، وهو ما واكبته قوات حفظ النظام التي حرصت على عدم شغل تلك الشوارع بشكل يعرقل حريات المواطنين في التجول".
أه، بدأت الرؤية تتضح، فحسب البلاغ من بدايته، أنّ القوات العمومية، "لم تتدخل بالقوة"، لكنها حرصت على "تطبيق القانون وحفظ الأمن"، ولم تضرب أحداً، و"لم تسلب حرية أحد"، فبعد أن "عرقل المتجمهرون نشاطاً مرخصاً له"، "استعرضت القوات تشكيلاتها"، وأطلق رئيس الدائرة الأمنية "الصفارات الإنذارية" الثلاث، وفجأة خاف المتظاهرون و"فروا بشكل عرضي عشوائي" من دون أن ينظروا أمامهم. وهنا "لم تمس القوات أحدا"، فتوّجهوا إلى الشوارع المقابلة، و"لحقت بهم القوات لضمان حرية المواطنين في التجول".
لم أخطئ بوضعي مثال "العملية الإنسانية" التي كانت تقوم بها روسيا في حلب في مقدمة مقالي، حقاً نحن أمام المنطق ذاته، فالواقعة يؤكدها الحاضرون، وتؤكدها أشرطة الفيديو التي وثقت لحظة التدخل العنيف، والذي خلّف عدّة إصابات، من ضمنها كسر مزدوج على مستوى اليد لأحد النشطاء "منير المساوي"، إضافة إلى أنّ القوات طاردت المحتجين في شوارع مدينة الحسيمة، بعد أن سبق هذا كله إنزال مكثف للقوات العمومية في ساحة الشهداء، ولن أنسى ذكر الحصار المفروض على المتظاهرين إعلامياً، بحيث شهدت مواقع إلكترونية إنذارات من السلطات، بمنطق "كن معي أو أنت ضدي"، وأغلقت إحدى القنوات الإلكترونية بمجرّد أنّها نقلت تصريحاً لأحد متزّعمي الحراك، باختصار شديد، هذا هو معنى عبارة "ضمان الأمن وتطبيق القانون" في البيان.
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
شفيق عنوري (المغرب)
شفيق عنوري (المغرب)