عندما تبحث فرنسا عن دور في لبنان

عندما تبحث فرنسا عن دور في لبنان

24 يوليو 2020

الرئيس اللبناني عون مع وزير الخارجية الفرنسي لودريان في بيروت (23/7/2020/الأناضول)

+ الخط -

قال مطّلعون على الموقف الفرنسي تجاه لبنان، إنّ رئيس الديبلوماسية الفرنسية، وزير الخارجية، جان إيف لودريان، حمل رسالة واضحة في زيارته بيروت ومباحثاته فيها مع الرئيس اللبناني ميشال عون. تعمل هذه الرسالة على استغلال الوقت الضائع، قبيل الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأميركي في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وذلك بهدف حثّ الأفرقاء، لإجراء الإصلاحات اللازمة والضرورية، للتوجه إلى المجتمع الدولي بملفّ شفاف، يسمح بإعادة إطلاق برنامج المساعدات، سواء من البنك الدولي أو مؤتمر سيدر، ولا يسمح لهذا البلد من الإرتماء في أحضان المحور الآخر لفرنسا وحلفائها.

تصف أوساط دبلوماسية في بيروت السياسة الفرنسية بأنها تتّسم بالواقعية، وأنّ ديلوماسيتها تقوم الآن بدور المواجهة للتهور الأميركي في مجلس الأمن بشأن ملف تعديل مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). وفي المقابل، هي لا تستطيع فعل أكثر من ذلك، طالما أنّ الأطراف اللبنانية في صراعٍ دائمٍ، وعلى مختلف القضايا.

لن تلعب فرنسا دور المستفزّ للسياسة الأميركية بل ستسير بحذر في محاولتها دعم لبنان

تدرك باريس جيدًا أنّ الإدارة الدولية غائبة عن الشرق الأوسط، وأنّ التموضع الجديد للإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس ترامب، هو الانسحاب من أكثر من ساحةٍ دوليةٍ لإعتبارات كثيرة، فالولايات المتحدة لم تعد مستعدةً للعب دور الشرطي في المنطقة، كما أنّ أوروبا اليوم ضعيفة في سياساتها الخارجية. وهذا ما يسمح للأطراف الأخرى، إيران وتركيا وروسيا والصين، الخوض في صراع لملء الفراغ الأميركي - الأوروبي. وأمام هذه الصورة، يُجابه لبنان بالإصرار الأميركي على معاقبته؛ لاعتباره أنه أصبح تحت الوصاية الإيرانية، عبر وكيلها حزب الله، الأمر الذي يعرقل مشاريع أميركية وإسرائيلية في المنطقة. ولذا، يثير الحراك الفرنسي في المنطقة، بدءًا من لبنان وصولًا إلى ليبيا، أكثر من سؤال: هل فعلًا تعمل الدبلوماسية الفرنسية، على إنقاذ لبنان من المأزق الاقتصادي الذي يتخبّط به؟ أم أنّ فرنسا تفتّش عن دورها الضائع في الشرق الأوسط، لتعيد بناءه انطلاقًا من البوابة اللبنانية؟

بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والفرنسي يشعر بغدر الحليف الأميركي، سيما في موقفه الذي اختاره، وهو الحياد من هذا العدوان والدفع نحو إيقافه. وكان الهدف من الحياد الأميركي يومها طرد اللاعب الفرنسي من منطقة الشرق الأوسط إلى غير رجعة. أعيدت الكرّة في بيروت عام 1989، مع رئيس الحكومة الانتقالية، العماد ميشال عون، الذي كان مدعومًا من السفارة الفرنسية، وكان يمثّل ما سمي الخط المسيحي الثالث، وهو الحفاظ على الكيان اللبناني وتثبيت وجوده. هذا الخطّ الذي توسّط بين الخطّ الأول، المنتمي كليًا إلى الدور الأميركي في المنطقة، والخط المقابل له، الماروني القومي العربي. عندها شعرت الدبلوماسية الفرنسية بأنّ الحليف الأميركي سحب الورقة اللبنانية من يدها لإعطائها للسوري، في تسويةٍ كان العراق ضحيتها.

الولايات المتحدة لم تعد مستعدةً للعب دور الشرطي في المنطقة، وأوروبا اليوم ضعيفة في سياساتها الخارجية

اليوم، وبعد 30 عامًا تطلّ الدبلوماسية الفرنسية برأسها من جديد. تطلّ على شرقنا، من خلال زيارة وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، التي حملت شروطًا لمدّ يد المساعدة إلى الحكومة اللبنانية، ومنها أن تبدأ الأخيرة بإصلاحات حقيقية. والموقف الفرنسي أكثر من جدّي في هذا السياق، كي تصبح لديه حجّة يحاكي بها مجموعة دول "سيدر"، المؤتمر الذي تتزّعمه فرنسا، لإخراج لبنان من أزماته.

وهناك أيضا ليبيا، البلد الذي يشكّل نقطة تحوّل للمصالح الفرنسية في القارة الأفريقية، إذ قرأت باريس ما اعتبرته خطرا على مصالح شركة النفط والغاز (توتال)، من الدور التركي المتصاعد، سيما في سرت النفطية. لذا، تتضارب مصالح فرنسا في ليبيا مع مصالح تركيا، الأمر الذي كاد أن يؤثّر على العلاقات داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كون البلدين عضوين فاعلَين فيه. ولكن السياسة الخارجية لفرنسا في الساحة الليبية ضبابية حاليًا، بعكس سياستها تجاه لبنان، لأنّ الداخل اللبناني، على الرغم من المعارضة فيه، إلّا أنّه يبقى أكثر تماسكًا من الساحة الليبية الهشة.

أدرك الفرنسي أنّ الفراغ الذي سيتركه الأميركي في المنطقة سيعوّض عنه بمجموعة لاعبين. وإنّ ترك الساحة اللبنانية تذهب شرقًا، نتيجة الضغوط الأميركية، سينعكس على الوجود الفرنسي تحديدًا. لذا، سارع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الالتفاف على كل الأطراف الأخرى، من خلال إدراكه ضرورة تقديم الدعم للبنان. وقد يكون هذا الدعم تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، كي يستطيع البلد لملمة اقتصاده المنهك، ولكن من دون الضعط على حزب الله الذي ينظر إليه الفرنسي أنه مكوّن أساسي في البلد، يجب التعامل معه.

في الشأن الداخلي، ستلتزم فرنسا عدم الخوض فيه كي لا تكون طرفًا، ضدّ آخر، فهي تدرك جيدًا مكونات لبنان، وحساسية العلاقة بينها. وفي الوقت ذاته، لن تلعب دور المستفزّ للسياسة الأميركية، بل ستسير بحذر في محاولة منها لدعم هذا البلد.