عبر سكايب

عبر سكايب

08 يناير 2015
دون تلامس جسدي ولا مصافحة ولا أحضان.. (Getty)
+ الخط -

صوره 2D وصوت معدني متقطع ودقائق معدوده تسرد فيها بعض الحكايات والأسئلة المكررة.. هذا كل حظنا من التواصل مع الأهل والعائلة، لأننا وبإرادة المستبدّ في المنفى "الإختياري".

دون تلامس جسدي ولا مصافحة ولا أحضان.. دون أي حياة. بعيداً في الوطن.. الصغير يكبر.. والأمور تُقضى.. وتتحول أنت لذكرى تدمع العيون لذكراها قليلاً.. وتستمر الحياة بدونك..

أيام معدودة وستضع أختي مولودها الأول.. رحلة الحمل مضت، لم أشهد منها إلا تغيّراً طفيفاً في حجم بطنها.. سأصبح "خالتو" دون أن أشهد تلك اللحظات.. مَن سيخطط معهم لحفلة الأسبوع؟ من سيشاكسهم في اختيار اسم المولود؟ من سيصحبها إلى حيث تضع مولودها؟ الإجابة: الكثيرون هناك إلا أنا..

حين تضع صغيرتها، الكل سيأتي ويحمل الصغيرة ويقبّلها.. الكل سيحتضنها ويلعب بأناملها.. الكل سيلامس نعومة وجهها ويشتم رائحتها.. هناك من سيقرأ لها الآيات لتنام.. هناك من سيهدهدها.. هناك من سيرقب نموها والتفاتاتها.. الكل سيكون هناك.. إلا أنا!

منذ فترة.. أراد قريبي الشاب في المنفى أن يتزوج، حضّر خطوبته وعقد قرانه "عبر سكايب". حضرت العقد، بدا ولوهلة وكأن كل شيء على ما يرام.. راقبت العروس من بعيد، من بجوارها؟ من يمسك بيديها؟ تائهة وابتسامتها مصطنعة.. راقبت الشاشة لأرى العريس نفد صبره، لا يسمع المأذون جيداً.. ولا يرى العروس، كلنا نراها إلا هو؟ وهو يقضي لحظات كلحظات زواجه بين الأصدقاء في المنفى..

واليوم صادفتني صورة لأربع أخوات من أب وأم واحدة فُرّق بينهم لأشهر ولم يستطيعوا أن يصطفوا بجوار بعضهم لالتقاط صورة تجمعهم، فالتقطوها لصق الصورة الملتقطة عبر شاشات سكايب..

وقبل أيام اجتمعت عائلتي في بيت عمي.. راسلوني.. هذه المرة الأولى التي نجتمع فيها منذ رحلت.. تمنيت لهم الهنا ورجوتهم فقط أود رؤيتكم معاً.. اجتمعت العائلة.. الكل حضر.. أصناف من الحلوى.. الخالة جهّزت العصائر.. وأمي أعدّت كنافة.. والخالة الكبيره أحضرت كعكاً طازجاً.. امتلأ البيت بالحياة.. الصغار يتباهون بملابسهم.. الأكبر قليلاً يتباهون ببطولاتهم المدرسية.. الأكبر قليلاً يتسلّطون على الصغار.. الفتيات يتناولن الحلوى ويتبادلن أخبار العرسان الجدد.. الشباب يزدحمون في غرفة واحدة "ممنوع الاقتراب منها" لرؤية شيء ما أجهله على الشاشة..

الأمهات الصغيرات يركضن خلف أطفالهن ويتبادلن النكات حولهم.. الأمهات الكبيرات يحلو لهن الجلوس بالمطبخ.. الآباء يتبادلون الكلمات القليلة وتهرول الصواني نحوهم باستمرار، وحتماً انطلقت صيحات عمي المضيف "فين الشاي؟".

الكل هناك.. أتتني رسالة منهم.. "افتحي سكايب".

كيف حالك؟ نفتقدك؟ كبر الأولاد؟ ىرببظظرالتط...

ماذا؟ لا أسمع؟ ماذا؟ لا نسمع؟ النت بطيء..

ثم تظهر رسالة "جودة الصوت ضعيفة" انقطع الاتصال!

يا هذا.. ليست جودة الصوت فحسب.. بل جودة الحياة!

أي حياة بلا تلامس ولا تلاقٍ ولا أحضان..

أي حياة بلا أصواتهم المتهدجة وأحضانهم الدافئة؟

يا هذا.. عائلتي من البشر.. من ذوي الأبعاد الثالثة.. أين الثالث..

ليست تلك الأصوات المعدنية المتقطعة بأصواتهم ولا تلك الصور الباهتة المهزوزة بصورهم.. هي أصوات كالأصوات وصور كالصور.. هي حياة كالحياة!


*مصر

المساهمون