عبث الدراما العربية

عبث الدراما العربية

11 يونيو 2017
+ الخط -
ما تُسوقه الدراما العربية والسورية في شهر رمضان عبثٌ خطيرٌ بفكر المواطن، وتخفيف واستهزاء بعقل المشاهد، ففي وقت ننتظر جميعاً تسلّل الدراما إلى أعماق المجتمع، كطبيب يُشخص ويداوي أمراض المجتمع، نراها تنزلق إلى سطحية العمل في بثها أفكاراً مسمومة، وتزوير للحقائق، والابتعاد عن معالجة المشكلة، وتجنب البحث في أسبابها.
فلم نعد ندري الرسالة التي تريد الدراما إيصالها، في مسألة محاربة الإرهاب والتطرّف، فإذا ما أردنا أن نبتعد عن المظلومية، ونحكم العقل، نجد أنّه من خلال تطرّقها إلى محاربة الإرهاب في مسلسل غرابيب سود، تزيد من وتيرة التطرّف من خلال تشويها المقصود للإسلام، وإنّ فضحها أعمال التنظيم من دون التطرّق إلى بداية نشوئه، والدول التي رعته ومدّته بكلّ ما يريد من عوامل السيطرة والتسلط، فهي بهذا تكون في صدد مهمة أُوكلت لها من دولٍ اتخذوا موقف العداء من الدين الإسلامي منذ 1400 عام.
يركز مسلسل "غرابيب سود" على أعمال تنظيم الدولةالإسلامية بصورةٍ تجعل المتلقي يعتقد أنّ كلّ ما يراه مصدره الدين الإسلامي، فتم الحديث عن جهاد النكاح بطريقة تحقير للمرأة العربية، وتصويرها حاجة إشباع لشهوات الرجال، متناسين أنّ الإسلام أول من أنصف المرأة، وحرّم وأدها وأعطاها حقوقها، فيما من المعروف أنّ جهاد النكاح ظهر في الثورة السورية بفعل شيطنة وتجييش وكذب قناة الميادين السورية المموّلة من إيران، فلا يُخفى على أحد حقيقة استنباط هذا المصطلح وتغذيته ونسبه للفصائل الإسلامية، بغرض تشويه الثورة السورية وتفريغها من مضمونها.
جميعنا يعلم من هو التنظيم، وكيف تغذّى على الدول التي ساهمت، مباشرة، في إنعاشه على حساب دماء الشعوب، والدول نفسها استثمرت بالتنظيم وجعلته شماعة تُعلّق عليها كلّ تبريراتها لتحقيق أجندتها في سورية والعراق، فاستحكم التنظيم بأبنائنا وتفنّن بقتل شبابنا، فنحن نعلم أنّ التنظيم فاجر ومخالف كلّ الشرائع ويرتكب أمور ما أنزل الله بها من سلطان، لكن هذا لا يعني أنّه مصدر التشريع الإسلامي، كما أراد مخرجو المسلسل أن يظهروه هكذا، فالدين بريء من هذه الأعمال التي لا تنقص منه شيء .
الأمر الخطير يقع في بث السموم لتخدير كلّ أبنائنا ممن لم يعرفوا بعد مفهوم الدين، ولا حتى من هو تنظيم داعش، لأجل ذلك من أول يوم لعرض هذا المسلسل، هبّت الأقلام عند كل من له ضمير حي، ويعي خطورة الواقعة، فطالبت بوقف هذه المهزلة من الأعمال الهابطة المسيّسة .
منذ أن انطلقت الثورة السورية، قبل نحو ست سنوات ونيف، والأعمال الدرامية تتهاوى نحو الهاوية، فأذكر جيداً كيف تم استغلال المأساة السورية، في صناعة البسمة من قنوات النظام المجرم، وترويجها على أنّها فبركاتٌ لا صحة لها في الواقع.
ناهيكم عن تزويره الحقائق، وقد نجح بذلك من وراء رجال الفن المنزلقين والساقطين أخلاقياً ممن يرضون لأنفسهم دور المهانة والإذلال من أجل المال والجاه والسلطة، كأمثال زعيم الدراما، زهير رمضان، الذي بات رجل الشاشة السورية، بعدما ارتدى البذلة العسكرية، واتخذ من نفسه مالكاً للفنانين، ويحق له أن يفصل ويقاضي من يشاء، ولكلّ من أساء لسيده بشار الأسد.
غابت الدراما السورية، والعربية عموما، بشكل مباشرعن أحداث الربيع العربي، وفي ظنها أنّها تبتعد عن السياسة، لأنها شأن بعيد عن مجال الفن، لكن الحقيقة تقضي القول إنّ مالكي الشاشات من دول أنظمة الاستبداد يبسطون يدهم على كلّ مؤسسات الدولة، فليس غريباً أن يجندوا الدراما لصالحهم، حتى تكون نافذة لهم لتحقير البشر وتخدير العقول.
سبع سنوات من زلازل الربيع العربي والدراما العربية تعيش في واقع مغاير عن واقع الحقيقة، وهنا منطقي أن نفهم، ما دام أنّ شعوبا تموت على أيدي حكامها، فمن الطبيعي أن تكون الدراما سلاحاً بيد الجلاد، وكلّ التعويل اليوم على الدراما الحرّة التي لا تكون جندياُ للحكام، وتجعل من نفسها سنداً لإنسان، وعوناً له في تشخيص الواقع، ودراسة مشكلات المجتمع وتقدم حلولاً تزيد من خيرية الإنسان، وتقلل من شره.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)