صُناع الداعشية

صُناع الداعشية

07 أكتوبر 2014
+ الخط -

قد يظن بعضهم أن "داعش" صناعة أميركية، وله الحق في ذلك، ولكن، ليس بالمفهوم المخابراتي. ظهرت دواعش الأرض بأسماء وصفات عديدة منذ فترات تعد بعشرات السنوات، وإن تعددت المسميات من القاعدة، طالبان، التكفير والهجرة، حزب التحرير...إلخ. وتجتمع جميعاً في رفض الديمقراطية والنظر إليها على أنها كفر بواح، والمعتدلون منهم يرونها فكراً غربياً لا يؤمن به الغرب لمجتمعاتنا، فهم يطبقونه في بلادهم ويمنعون المسلمين من تطبيقه، حتى يكون الحكام بلا سند شعبي، فيسهل انقيادهم للمشروعات الغربية.

وكان لوجود حركات إسلامية معتدلة ووسطية ومؤمنة بالديمقراطية، في أكثر من دولة عربية، دور كبير في محاربة هذا الفكر، والمطالبة بالتغيير السلمي، عبر وسيلة الديمقراطية بمرجعية إسلامية، أي أن الشعب لا يستطيع التوافق على مخالفة المعلوم من الدين بالضرورة. وكان لهذه المواجهة بين الفكر الوسطي، كما يسميه بعضهم، والفكر الأصولي المتشدد المتمثل في بعض الحركات المذكورة أعلاه، انحسار الأخيرة وصعوبة تجنيدها لعناصر جديدة.

وكانت تجربة الجزائر في التسعينيات من إلغاء الانتخابات، فور ظهور مؤشرات نجاح الإسلاميين، ذريعة تدفع بها حركات الدواعش، لتدلل على صدق توجهاتها، إلا أنها كانت مشوشة، بسبب تصريحات جبهة الإنقاذ الجزائرية، فور ظهور المؤشرات، وقبل إعلان النتائج بكفرها بالديمقراطية، مما مثل ذريعة جيدة للانقلاب عليهم. وظل الجدل بين الفصيلين الإسلاميين محتدماً، ويميل دائماً نحو الوسطية والاعتراف بالوسائل الديمقراطية.

وجاءت اللحظة الحاسمة التي لا يستطيع الإسلام السياسي فيها أن يقف أمامها، والتي دللت للجميع على صدق الرؤية الداعشية، مما جعل الأنصار ينضمون إليهم حتى من أوروبا، ﻷن المثال كان صارخاً، عبر الانقلاب الذي وقع في مصر ضد الرئيس الشرعي المنتخب، وبمباركة أميركية غربية، على الرغم من أن الرئيس المحسوب على التيار الإسلامي بدا ديمقراطياً أكثر مما ينبغي، فلم يغلق جريدة أو وسيلة إعلامية، على الرغم من تخطي كثير منها قواعد العمل الصحافي إلى العمل المخابراتي التخريبي، ولم يأمر بغلق قناة، على الرغم من كم السباب والشتائم التي يعاقب عليها القانون، ولم يحظر نشاطاً سياسياً أو يغلق حزباً أو يعتقل نشطاء، كما يحدث الآن بمباركة أميركية وعالمية.

ما حدث في مصر يؤدي، بالضرورة، إلى ظهور أجيال تكفر بالديمقراطية، وترى أن التمسك بها نوع من البلاهة السياسية، وأن الطريق الوحيد هو التغيير بالقوة، مما يزيد من احتمال ظهور حركات جيدة تحت الأرض، لتظهر فجأة معلنة عن جماعات بمسميات داعشية، ولن يمكن وقف هذا الزحف، حتى يفيق الغرب من غفوته، ويعلم مدى الدمار الذي سيلحق به، بسبب مباركة جريمة الانقلاب في مصر، ويسارع إلى تصحيح الأوضاع، بدلاً من سحب جوازات المنضمين لداعش من دول أوروبا، ما لن يزيد الأمر إلا تعقيداً، فهل تفيق أوروبا قبل فوات الأوان؟

avata
avata
عبدالعزيز مجاور (السعودية)
عبدالعزيز مجاور (السعودية)