صوت من الداخل

صوت من الداخل

03 ديسمبر 2015
عمل للفنان/ ديفيد رايل (Getty)
+ الخط -
كانت الساعة تشير إلى اقتراب موعد صلاة الفجر، نهض من سريره وذهب إلى الوضوء، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم قام يصلي إمامًا بأهل بيته بعد أن أيقظهم، عادوا هم إلى النوم، وذهب هو ليستعد من أجل يوم عمل جديد، فتح خزينة ملابسه ثم أخرج البزة الجديدة القادمة رأساً من فرنسا، ارتدى البزة ثم وقف أمام المرآة، لاحظ حينها شعيرات بيضاء دخيلة على رأسه، دقق النظر في المرآة فرأى الليل محتلًا ما تحت عينيه، والتجاعيد ملأت وجهه فجعلت عمره يبدو أكبر مما هو في الحقيقة، حتى يديه أصبحتا ترتعشان بشكل ملحوظ، تذكر حينها الماضي القريب فتنهد تنهيدة طويلة، ثم قبل أن يخرج زفيرها جاءه صوت من الداخل: ماذا أنت فاعل الآن؟ ماذا تفعل هنا من الأساس؟


كلانا يعلم أن هذا ليس مكانك، تسمر في مكانه لثوانٍ ثم صاح بصوت لا يخلو من انعدام الثقة: أنا الرئيس.. كررها ثلاثاً!

كان صوت الضحك القادم من الداخل مدوياً هز أرجاء القصر، ثم أكمل منذ البداية ما كان لك أن تكمل، كنت تعلم أنها فترة يجب أن تنتهي في أسرع وقت، ألم أقل لك أن الأيام دول، فالأمس كان لك أما اليوم فكما ترى وغدًا عليك.
تائه أليس كذلك؟ لا ناصح أمين ولا صديق عزيز فالكل يقفز من المركب كما يقفز الدولار.

همّ أن يوضح أن كل شيء مسيطر عليه، لم يعطه الصوت فرصة ليشرح ثم تابع نعم تبدو الأمور وكأنها تحت السيطرة، وأنه لا خطر يداهمك وأن الأمن مستتب، فالكل عاد من حيث أتى، الشباب عادوا يبحثون عن مقاعد المدرجات بعد أن ضاقت بهم المقاهي، والمعارضون في السجون والعامة يبحثون عما يذهب عقولهم ليُنسيهم قتامة الواقع، والخلوق والد الخلوق ذو اللسان العذب يتصدر الشاشات واللجان فارغة، لا أن تتوقف فإنك تعلم أن النار تحت الرماد وأن المساحات التي أغلقتها هي من ستقوم بخنقك قبل أعدائك، وأن الجثث المحروقة ستلاحقك حتى القبر، والأرواح المختفية في أقبية أجهزتك الأمنية ستبعث من الجديد تفتش عنك.

أما أصدقاؤك الخليجيون فقد ملوا منك، والعالم لم يعد يعيرك انتباهه يا طبيب الفلاسفة. ربما النهاية ليست قريبة إلى هذا الحد ولكنها البوادر والإرهاصات ذاتها، لكن هذه المرة، وبكل تأكيد، ستكون أكثر ملحمية ودراماتيكية، ربما بضربة قاضية من ملاكم من الدرجة الثالثة لا تبدو ملامحه من كثرة الدماء، محطم، ليس لديه ما يخسره، كالتي أطاحت بتايسون في الجولة الأخيرة أو ربما بسيناريو آخر.

قلت لك سابقاً إن أحوال المؤقت لا تنطبق على الدائم، كان من الممكن أن يكتبك التاريخ بطلاً "مُزيفاً" لكن المسمى بطل، لكنك أبيت إلّا نهاية كل ديكتاتوريي الأرض السفهاء، لست هتلر ولست موسوليني ولا ترقى للقذافي وجودك كان ضرورة لإكمال صورة مزيفة الكل يعلم أنها زائلة عاجلاً أم آجلاً، لكن ثمن زوالك من الصورة سيكون باهظًا عليك وعلى رجالاتك. فالكل يتحين لحظة انهيار جبل القش، فألف من له ثأر في الوطن.

2
يستيقظ المؤقت ويصلي الفجر وينطلق إلى يوم عمل جديد لا يدري ماذا يفعل فيه سوى إغراق السفينة أكثر.


(مصر)

دلالات

المساهمون