صناعة الشرق الأوسط الجديد

صناعة الشرق الأوسط الجديد

07 مايو 2015
+ الخط -

"لقد أُنشئت دولة الأردن في يوم ما بجرّة قلمٍ في ظهيرة يوم السبت في القاهرة" ونستون تشرشل.

بينما كان المندوب السامي البريطاني لشؤون الشرق الأدنى مارك سايكس يجلس على نفس الطاولة التي يجلس عليها المندوب السامي لفرنسا للشؤون الشرق الأدنى جورج بيكو، بحضور مندوب روسيا القيصرية، في حديث خلفيته انتصارات انجلترا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى، ورغبه كلا البلدين في تحويل هذا الانتصار العسكري إلى مكاسب سياسية، كان الحوار رغم ما فيه من اختلافات في وجهات النظر يسير بصورة مرضية لكلا الطرفين، فرنسا، ترى في الوطن العربي مجموعة من الأقليات المختلفة التى تعيش كل منها بجوار الأخرى: الأكراد بجانب العرب بجانب البربر، والسنة بجانب الشيعة، والمسلمون بجانب المسيحيين، والأرثوذكس بجانب المارونيين، فالأفضل أن لا تتورط في إدارته بصورة مباشرة، وإنجلترا ترى الوطن العربي بصورة مختلفة، فهو جسد واحد متجانس له نفس التاريخ واللغة والحضارة المشتركة، جمعتهم الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين التى دعمتها إنجلترا ضد الدولة العثمانية.

على نفس الطاولة تم تقسيم الوطن العربي، أنشئت الدول والممالك والإمارات طبقاً للمصالح الاستعمارية لفرنسا وإنجلترا، وشرب الوزيران نخب الانتصار، لكن التاريخ في نفس هذه الغرفة كان يبكي من كثرة الضحك على آمال الوزراء الخادعة التى لن تتحقق!

كانت اتفاق سايكس-بيكو يقتضي أن يتم تقسيم الوطن العربي باستيلاء فرنسا على غرب سورية ولبنان وولاية أضنة، واستيلاء بريطانيا على منطقة جنوب وأواسط العراق بما فيها مدينة بغداد، وكذلك ميناء عكا وحيفا في فلسطين، واستيلاء روسيا على الولايات الأرمنية في تركيا وشمال كردستان، وحق روسيا في الدفاع عن مصالح الأرثوذكس في الأماكن المقدسة في فلسطين. أما المنطقة المحصورة بين الأقاليم التي تحصل عليها فرنسا، وتلك التي تحصل عليها بريطانيا تكون اتحاد دول عربية أو دولة عربية موحدة، ومع ذلك فإن هذه الدولة تقسم إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، ويشمل النفوذ الفرنسي شرق بلاد الشام وولاية الموصل، بينما النفوذ البريطاني يمتد إلى شرق الأردن والجزء الشمالي من ولاية بغداد وحتى الحدود الإيرانية. بينما يخضع الجزء الباقي من فلسطين لإدارة دولية، ويصبح ميناء إسكندرون حراً.

هذه الأمواج المتدفقة من الآمال تكسرت على أرض الواقع، ولم تستطع إنجلترا وفرنسا تنفيذ هذا الاتفاق بسبب أن كلا الدولتين كانت تعاني من مشاكل اقتصادية بعد الحرب العالمية الأولى، ولم يكن لدى الحكومات، بالإضافة إلى الشعوب، لا الرغبة ولا القدرة على الدخول بقوة في إدارة بلدان تعلم أن مشاكلها لن تنتهي، وعلى الجانب الآخر فإن قوى دولية أخرى لم تأخذ حقها التي كانت ترجوه أثناء الاتفاق، فعادت وبقوة إلى المنطقة بحثاً عن مصالحها، وأقصد هنا روسيا بعد ثورة أكتوبر البلشفية، ويتبقى أخيراً أن ما اتفقوا عليه في غياب الشعوب العربية، عادت ورفضته هذه الشعوب، عبر الاحتجاجات والثورات المستمرة، وهكذا، وعلى خلاف ما يظن البعض فقد فشلت بريطانيا وفرنسا في تحقيق ما اتفقوا عليه في اتفاقية سايكس بيكو، وتغيرت الحدود والاستراتيجيات أكثر من مرة لكلا البلدين، حتى انتهت إلى الشكل المشوّه الذي نعرفه اليوم للوطن العربي.

أما الآن فخارطة الشرق الأوسط الجديد ترسم، هكذا تبدو الأمور، واتفاق سايكس - بيكو جديد سوف يتم في السر أيضاً، بين القوى الدولية والإقليمية التى لها مصالح مباشرة في المنطقة، على الرغم من أصوات الشعوب. لكن هل يدرك هؤلاء أن أسلافهم قد فكروا نفس التفكير، ووضعوا خارطة أيضاً، متجاهلين الشعوب والتاريخ والجغرافيا، لكن هذه البقعة المميزة من العالم استهزأت بهم وبكلامهم وخطتهم كما فعلت مع من سبقهم من الغزاة والمستعمرين، لتصنع تاريخاً آخر اختار السير في طريق مختلف؟

لقد انتهى زمن الخرائط مسبقة الإعداد للمنطقة، وبدأت مع الربيع العربي خرائط جديدة سترسمها الشعوب بالدماء والأمل.


(مصر)

المساهمون