ومع الجدل الذي أُثير هذه الأيام بشأن القانون الانتخابي، وانتظار توقيع الرئيس الباجي قائد السبسي على التعديلات التي أُدخلت عليه الشهر الماضي، وثبّتت دستوريتها بقرار الهيئة المختصة، تذكّر التونسيون عنوان هذا الفيلم، بعدما قرّر الرئيس أن يلوذ بالصمت. فلا هو رفض القانون وأعاده للبرلمان، ولا دعا للاستفتاء عليه، ولا وقّعه ووافق عليه كما ينصّ القانون، ولا حتى صرّح بموقفه من كل ذلك، كما جرت العادة، إنّما ترك الجميع في التسلل، وفتح بذلك سابقة دستورية غفل عنها كاتبو الدستور ولم يضربوا لها حساباً، فاستغلها الرئيس، على غير عادته التي دأب عليها منذ عرفناه.
هذا الصمت الرئاسي دفع كثيرين إلى الاستغراب، لأن التونسيين اعتادوا على الرئيس الشجاع الذي يقول كلمته في كل الأوقات وتحت تأثير كل الظروف، غير أنه خالف القاعدة هذه المرة، وخرج نجله حافظ قايد السبسي، قليل الكلام عادة، ليتحدث بدلاً عنه، ويقول إنه يرفض الإقصاء. ثمّ تلاه مستشار الرئيس السياسي نور الدين بن تيشة، الذي أكّد أنّ السبسي سيخرج إلى الناس وسيبيّن موقفه من ذلك. بينما تجنّد معارضو رأس الدولة، بالتلميح والتصريح، بأنّ الأخير معزول ويقبع تحت تأثير عائلته. وفي هذا كله، يبحث التونسيون عن رئيسهم بعدما اختفى عن الأنظار منذ حوالي أسبوعين، إثر خروجه من المستشفى، واستبشروا بعد دعوته للناخبين وتصوير شريط فيديو يبيّن أنه بخير، وتنفسوا الصعداء بعدم دخول البلاد في المجهول.
ولكن ما الذي يبرر كل هذا الصمت؟ ولماذا نزيد من حجم الغموض والريبة والشكوك والشائعات؟ وهل ينقص التونسيون أصلاً هموم التساؤل عن رئيسهم وفهم موقفه؟ لقد شكّلت القصور دوماً مبعثاً للقصص والحكايات والأساطير، تنسجها الخيالات إذا عمّ الغموض، فتسري الشائعات وتتحكّم بالقرارات وتشكّل خيوطها. ولكن تونس على شفا اختبارات تاريخية حاسمة ومتلاحقة ولا تحتاج لمزيد من التوتر والصمت.