صراع السلطة والثروة... الأزمة الاقتصادية ورقة للأحزاب بانتخابات الجزائر

صراع السلطة والثروة... الأزمة الاقتصادية ورقة ضغط للأحزاب في انتخابات الجزائر

23 يناير 2019
تدهور القدرة الشرائية للجزائريين (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -
تحولت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر  للعام الخامس على التوالي، إلى ورقة ضغط في يد الأحزاب السياسية، قبل نحو 3 أشهر من الانتخابات الرئاسية، التي لا يزال الغموض يلفها، بسبب تحفظ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الكشف عن مستقبله السياسي، وسط ارتفاع دعوات لاستمراره لعهدة رئاسية خامسة، وأخرى تدعوه إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، مع فتح حوار وطني جامع يتم بعد انتخاب رئيس جديد للجزائر.

وفي ظل تصاعد الصراع بين الطرفين يبقى الاقتصاد  لاعباً مهماً في الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان المقبل ولاسيما في ظل التراجع الحاد في الإيرادات  المالية وتهاوي العملة ونزيف الاحتياطي وتأزم الأوضاع المعيشية  للمواطنين.

وفي هذا السياق، يرى رئيس حزب الفجر الجديد، طاهر بن بعيبش أن "الجزائر تعيش منذ 2015 أزمة اقتصادية حادة، سمح احتياطي الصرف الأجنبي الذي كان فوق 150 مليار دولار بتخفيف حدتها، إلا أنه اليوم لا يوجد موارد مالية تسمح بتسيير الأزمة المالية، فاحتياطي الصرف تبخر، والعجز ضرب الخزينة العمومية ولا ندري إلى أين تسير بنا السلطة الحاكمة".

وأضاف بن بعيبش لـ "العربي الجديد" أن "مستقبل الجزائر بات في يد جماعة صغيرة هي من ترسم معالمه، دون استشارة الشعب، فعوض أن يفتح نقاشا وطنيا حول الانتخابات الرئاسية وحول البرامج التي ستخرج الجزائر من نفق الأزمة الاقتصادية، لا نزال نسمع أصواتا تدعو بوتفليقة للترشح لولاية رئاسية خامسة".

ويعد رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) عبد الرزاق مقري، في مقدمة المدافعين عن طرح تأجيل الانتخابات، لمرور البلاد بأزمة سياسية حادة، يضاف إليها دخول الجزائر في سنوات "عجاف" اقتصادياً.

وكتب رئيس حمس (إخوان الجزائر) في صفحته على "فيسبوك": "للأسف الطموحات السلطوية لا تزال هي سيدة الموقف في كل الاتجاهات في الجزائر"، مشيرا إلى أن "الصراع على السلطة والثروة هو الطاغي في الساحة".

وأوضح زعيم "حمس" أن القليل من يهتم "بالمخاطر الاقتصادية الاجتماعية التي ستجعل الجزائر في هشاشة كبيرة أمام المخاطر الإقليمية والدولية في مدى قصير".

وتعاني الجزائر من أزمة مالية خانقة في ظل تراجع إيرادات النفط، ما أدى إلى تهاوي العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم وتدهور الأوضاع المعيشية للجزائريين.

وكان محافظ بنك الجزائر " البنك المركزي"، محمد لوكال، قد أعلن مؤخراً، عن أن الدينار فقد 34% من قيمته خلال العام الماضي 2018، بينما اعتمد البنك "سياسة التعويم الموجه" لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات، ما ينذر بمزيد من الغلاء.

وتشير البيانات الحكومية إلى أن معدل سعر صرف الدولار أمام الدينار عام 2012 بلغ 77.55 ديناراً، بينما بلغ المتوسط عام 2013 حوالي 79.38 ديناراً، لينزل إلى 80.56 دينارا عام 2014، ثم 100 دينار في 2015، ونحو 107 دنانير في 2016، ثم إلى 112 بنهاية 2017، قبل أن يغلق عام 2018 على 119 ديناراً.

وإذا كانت المعارضة متمسكة بموقفها الذي تراه موضوعيا، بل وواقعا معاشا، تجد أحزاب الموالاة، في هذا الموقف كثيرا من الاستغلال السياسي للأزمة الاقتصادية.

وإلى ذلك يقول الأمين العام للتحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي، والذي يقود حزبه تكتل "الاستمرارية" الذي يضم 15 حزبا مساندا للرئيس بوتفليقة، إن "الحديث عن سنوات عجاف اقتصادياً فيه شيء من التضخيم غير المبرر، الكل في الجزائر من أكبر المسؤولين إلى أبسط مواطن يعي وجود أزمة اقتصادية في البلاد، والحكومة تحت توجيهات الرئيس استطاعت أن تمتص سلبيات الأزمة المالية، دون أن يتضرر المواطن كثيرا".

وأضاف ساحلي لـ "العربي الجديد" أن "البعض بدأ يمارس حملة انتخابية مسبقة باستعمال الأوضاع الاقتصادية في خطابه وتقديم حلوله كأنها المخرج".

وإذا كانت "السنوات العجاف" عند السياسيين مجرد "ورقة ضغط"، يتقاذفونها، يجمع مراقبون وخبراء اقتصاد في الجزائر على أن سنة 2019 وما يليها من سنوات ستكون "مجرد أرقام جديدة" ضمن مسلسل الأزمة الاقتصادية الأشد في تاريخ البلاد، فكل المؤشرات تنذر باستمرار السنوات العجاف، وتواصل سياسة شد الأحزمة، في ظل محاصرة ثلاثية العجز المالي وتبخر احتياطي الصرف بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية الحكومة.

وإلى ذلك يقول الخبير المالي والمستشار السابق لدى الحكومة الجزائرية عبد الرحمان مبتول إنه "من المنتظر أن تسجل الحكومة عجزا في الموازنة العامة غير مسبوق سنة 2019، حيث تشير توقعات الحكومة في موازنة البلاد للسنة الحالية إلى ارتفاعه فوق 16 مليار دولار، وتملك الحكومة الجزائرية حلولا قليلة لمواجهة هذه المعضلة المالية، أحلاها مر، إما سد العجز عن طريق اللجوء إلى احتياطي الصرف أو التوجه نحو الاقتراض من الخزينة العمومية، التي تعاني هي الأخرى عجزا سنويا يفوق 30 مليار دولار".

وأضاف مبتول لـ"العربي الجديد" أن "السنة الحالية ستكون بداية المرحلة الحمراء في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر وذلك وفق المؤشرات المالية التي قدمتها الحكومة في موازنة 2019 حيث توقعت انهيار احتياطي الصرف، وتواصل تراجع عائدات النفط السنوية إلى معدلات متوسطة بين 27 مليارا و35 مليار دولار، وهو مقدار غير كافٍ إذا عرفنا أن الجزائر تستورد سنويا أكثر من 40 مليار دولار سلعا وخدمات".

ويعد التآكل السريع لاحتياطي العملة الصعبة الذي كان "صمام الأمان" للبلاد، مؤشرا أحمر آخر حسب خبراء اقتصاد، يُنذر بوصول الجزائر إلى مرحلة الخطر في نفق الأزمة المالية المظلم، الذي لا يلوح فيه أي بصيص أمل بعد.

فتوقعات الحكومة تشير إلى استمرار تآكل احتياطات الصرف بالعملة الصعبة خلال عام 2019 لتتدحرج إلى 79.7 مليار دولار، ثم 76 مليار دولار في 2020، ثم إلى 33.8 نهاية 2021، رغم أنها أرقام تبدو بعيدة عن الواقع بحكم سرعة التآكل التي كانت أعلى من المتوقع.

وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) للسنة الحالية، وبل حتى إلى السنتين القادمتين، حيث تشير التوقعات الرسمية، إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي الجزائري، متعدياً الخطوط الحمراء مستقبلاً.

ويرى الخبير الاقتصادي فارس مسدور أن "احتياطي الصرف لا يمكنه أن يصمد إلى غاية 2022 كما تتوقع الحكومة، فلو احتكمنا إلى الأرقام الرسمية، نجد أن احتياطات الجزائر من العملة الصعبة هوت بحجم كبير وفي وقت قصير عكس توقعات الحكومة، وبالتالي يصعب الجزم بصمود احتياطي البلاد 4 سنوات كاملة أخرى، وهذا دون أخذ عامل أسعار النفط في المعادلة، لأن ارتفاعها ليس بيدنا".

وأضاف مسدور أن "السنوات العجاف بدأت مع اليوم الأول للأزمة المالية، عندها بدأنا نفكر في تنويع الاقتصاد، وترقية صادرات البلاد خارج النفط، ولكن بعد 5 سنوات لا تزال دار لقمان على حالها".

المساهمون