صاحب أفضل مشروع تعليمي: "المعلم" محور تطوير التعليم

صاحب أفضل مشروع تعليمي: "المعلم" محور تطوير التعليم

16 يوليو 2016
العالم اتجه نحو "التعليم من أجل التنمية المستدامة" (Getty)
+ الخط -

هناك حكمة صينية تقول "إذا أردت أن تزرع لعام واحد، فازرع قمحا، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، وإذا أردت أن تزرع مدى الحياة فازرع في "الإنسان"، ومن هنا تحول أنظار العالم نحو "التعليم من أجل التنمية المستدامة"، تعليم يضمن للفرد والمجتمع الحياة الكريمة مع الحفاظ على الموارد الطبيعية لضمان حياة كريمة للأجيال القادمة.

ولأننا نفتقر إلى هذا النوع من التعليم، سعى الدكتور هاني سويلم أستاذ التنمية المستدامة بجامعة أخن الألمانية، وأحد أهم خبراء التنمية المستدامة في العالم لوضع تطوير شامل لنظام التعليم الأساسي في مصر من خلال مشروع عمل عليه فترة دامت أربع سنوات، وشارك فيه أكثر من عشرين من خبراء التعليم المحليين والدوليين تحت عنوان "التعليم من أجل التنمية المستدامة في مصر" بتمويل من الاتحاد الأوروبي قيمته مليون ونصف يورو، وتم إقراره من قبل الأمم المتحدة وفاز بأفضل مشروع تنموي تعليمي على أرض الواقع في نوفمبر 2014.

في حوارنا معه يقول: التعليم من أجل التنمية المستدامة يمنح الإنسان المعرفة والمهارات السلوكية والقيم المطلوبة للوصول لمستقبل مستدام، وتحمي الفرد والمجتمع من سيطرة الرأسمالية وتحافظ على المساواة والعدالة الاجتماعية وحق الفرد في التنمية وتوزيع الثروات، ليس فقط للأجيال الحالية وإنما تحتم علينا الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

يهدف المشروع إلى مراعاة مفاهيم التنمية المستدامة في المقررات التعليمية وكل الأنشطة المدرسية مثل تغير المناخ، تخفيف حدة الكوارث، التنوع البيولوجي، الحد من الفقر، ويتطلب هذا النوع من التعليم طرق تعليم تفاعلية تساعد المتعلم على تغيير سلوكياته والتحول إلى أفراد فاعلة ومؤثرة في المجتمع من خلال بناء الشخصية الإيجابية، كما يطور التعليم من أجل الاستدامة من مهارات التعلم مثل التفكير النقدي، القدرة التخيلية، العمل الجماعي، الاعتماد على النفس والمشاركة في صناعة القرار.


وما واقع التعليم المصري من التنمية المستدامة؟

وأعلن اليونسكو في 2005 عن عقد 10 سنوات للتعليم من أجل التنمية المستدامة من 2005

وحتى 2014، والعالم كله تحرك نحو هذا التعليم دون أن ندري، حتى انتهى العقد في 2014 وعندما جاء المؤتمر الدولي الختامي في طوكيو باليابان نوفمبر 2014 لم تكن مصر ممثلة، وكان التمثيل العربي ضعيفا والتجارب العربية الناجحة كانت محدودة جدا على عكس الدول الصناعية التي عرضت تجاربا ناجحة تعطي أمثلة مبهرة لتوجيه التعليم في اتجاه التنمية المستدامة، وكان لفريقي البحثي من جامعة أخن شرف تلقي الدعوة من منظمة اليونسكو لعرض تجربتنا عن التعليم من أجل التنمية المستدامة في الدول النامية؛ والتي أبهرت الحاضرين لبساطتها وقلة تكلفتها، ولكونها تمت تجربتها على أرض الواقع في مصر بشكل تجريبي محدود بعدد من المحافظات وحصدنا جائزة الأمم المتحدة عن هذه التجربة المميزة والمتكاملة.

كيف يخدم مشروعكم تطوير التعليم في مصر؟

التعليم تطور كثيرا في العالم وطرق التدريس تغيرت لتواكب تطورات العصر، فمثلا المدرس يقوم بفتح موضوع للنقاش ويقتصر دوره عند إدارة الحوار وفي حصص أخرى يلعب معهم لعبة مصممة بحرفية لشرح نظرية معينة في الفيزياء، ومن هنا يتلخص مشروعنا ببساطة في تطوير جذري لطرق التدريس ورفع كفاءة ومهارة المعلم لتوصيل المعلومة للطفل بدون تلقين وحفظ، وربط المتعة والترفيه بالتعلم لغرز حب التعلم داخل الطفل بأقل التكاليف وأبسط الإمكانيات المُتاحة.

بدأ مشروعنا بدراسة المناهج المصرية في التعليم الحكومي للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، وترجمتها للشركاء الأجانب، وبعد الدراسة الدقيقة للمناهج المصرية قمنا بإعداد طرق تدريس لنفس المنهج تتلاءم مع ظروفنا، وراجعنا التجارب العالمية، وأخذنا منها ما يهمنا ويتسق مع تكدس الفصول وقلة الأبنية المدرسية وتهالك المقاعد وبما يتناسب مع معلم نسى أساليب التعليم، حتى خرجنا بتجربة مصرية خالصة.

ثم قدمنا كتبا إرشادية للمدرس تشرح له كيف يطبق المناهج المصرية الحالية، وأضفنا بُعد التنمية المستدامة الموجود في رؤيتنا، وقمنا بإنشاء مراكز تدريب للمدرسين على الطرق الجديدة المقترحة، وتم إعداد المدربين من الجامعات المصرية في العديد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا، النمسا، البرتغال وأيرلندا، ولدينا برنامج جاهز لتدريب المدرسين على التعليم من أجل التنمية المستدامة وطرق التدريس التفاعلية الحديثة.



كيف تم تطبيق المشروع في المدارس المصرية، وما هي الصعوبات التي واجهتكم؟

 قمنا بتطبيق هذه التجربة في أفقر المدارس في منطقة الوراق العشوائية بمحافظة الجيزة لاختبار مدى ملاءمة التجربة للظروف والإمكانيات، وتم تطويع الأنشطة داخل المدرسة لتتواكب مع المقرر الدراسي الحكومي وكذلك متطلبات البيئة المحيطة بالمدرسة، فنناقش ونعالج موضوعات كتوفير الطاقة، الحفاظ علي المياه، تقليل الضوضاء، إعادة تدويرالمخلفات الزراعية الحيوية والحفاظ علي الأرض الزراعية، وغيرها.


بعد إعداد دقيق للأنشطة في شكل حوار، لعبة، رحلة، وغيرها تم تدريب المدرسين بعناية، ثم قام المدرسون بتطبيق المحتوي والطرق لشرح الدروس للطلاب، لاحظنا روحا جديدة داخل المدرسة ولاحظنا حب الأطفال والمدرس للعملية التعليمية واستيعاب التلاميذ للدروس والموضوعات مهما كانت معقدة.

البيروقراطية في التعامل كانت أهم العقبات أمامنا، مثل صعوبة الحصول على الموافقات الكتابية من الوزارة لتطبيق هذه التجربة وحتى إقناع أصغرالمسؤولين بتغير طرق التعليم.

ما هي نتائج المشروع النهائية وهل اقتصرت على التجريب والاختبار أم هناك نتائج ملحوظة؟

تقابلت منذ بداية التخطيط لهذه المبادرة عام 2009 مع ستة وزراء تعليم متتاليين في مصر، كلهم تحمسوا جدا للمشروع وفي كل مرة أذهب أشرح المشروع  وأشرب قهوتي، وينتهي الموضوع بمجرد الإعجاب دون تنفيذ، ويبدو أن صعوبة التغيير أقوى من الوزير؛ ولهذا لا بد من الاستعانة بعقول تعرف التطوير ولديها القدرة على الإطاحة بكل من يقاوم التغيير.


ما رأيك في المبادرات الأخرى التي تهدف إلى تطوير التعليم؟

في مصر والعديد من الدول العربية عندما نتحدث عن تطوير التعليم نتحدث دائما عن تطوير المنهج التعليمي أو الكتاب المدرسي على اعتبار أن هذا هو محور التطور، ولا أقلل من أهمية تطويرها، ولكنها ليست "كلمة السر" في عملية تطوير منظومة التعليم، فكلمة السر الحقيقية تكمن في "المعلم"،  تطوير التعليم ليس اختراعا بقدر ماله من أسس وخطوات اتبعتها الدول التي سبقتنا، وعندما طورت هذه الدول تعليمها كانت أفقر منا بكثير فلا يمكن أن تكون الإمكانيات المادية دائما "الشماعة" التي نعلق عليها إخفاقنا في تطوير التعليم، وهناك دول كثيرة طورت من تعليمها، منها في أفريقيا، لم يكن لديهم مدرسة، وكانوا يعلمون أطفالهم تحت الشجرة، واليابان بعدما دمرتها الحرب العالمية الثانية، كانوا يتعلمون على أنقاض المدارس، ونحن أيضا نستطيع تطوير التعليم بالإمكانيات المادية الحالية ونقل مصر إلى مصاف الدول في زمن قياسي.

وما هي رؤيتكم للمستقبل بخصوص تطوير التعليم؟

تطوير التعليم يبدأ دائما بتحديد رؤية لمستقبل الدولة هل هي دولة صناعية، زراعية، تجارية، سياحية أم خليط من كل أو بعض هذه التوجهات، بعد ذلك علينا أن نقوم بتحديد خريطة المهارات، وهو ما تم في دول العالم المتقدم (National Qualifications Framework)، وهذه الخريطة تحدد المهارات المطلوبة في كل منطقة في مصر على حسب مستقبل هذه المناطق، فمثلا في منطقة القناة نحتاج لعمالة ماهرة لإدارة الحاويات وخدمة السفن للمشروعات التنموية الجديدة المعتمدة على قناة السويس.

وفي الجنوب مطلوب مهارات خاصة بكل ما تحتاجه السياحة، وفي دمياط عمالة ماهرة لصناعة الأثاث، وبناء علي هذه المهارات المطلوبة يتم إعداد و تطوير المناهج في المدارس، فما يحدث من تطوير المناهج في كل مرة بدون توصيف شكل الطالب أو الخريج والمهارات المطلوبة هو إضاعة وقت ومال.

ولا نغفل تدريب المدرس على طرق تدريس حديثة وتوفير الأدوات التي يحتاجها؛ وهي أدوات بسيطة وغير مكلفة كشرح الطاقة المتجددة عن طريق مروحة ورقية مثبتة على عصا، هذا يعني أننا نستطيع بإمكانياتنا الحالية حل جزء كبير من مشاكل التعليم، وبالتوازي تبدأ الدولة في وضع خطة طويلة المدى لبناء المزيد من الأبنية التعليمية.

المساهمون