شهادات سيف عبد الفتاح وإخوانه

شهادات سيف عبد الفتاح وإخوانه

10 ديسمبر 2019
+ الخط -
بعد سقوط "الإخوان المسلمين" في مصر، كان الإعلام هو وسيلتهم الوحيدة للتبرير. روايات كثيرة روجتها قنواتهم ولجانهم، أميركا تآمرت، وإسرائيل أيضا، الجيش الذي كان "عظيما" قبل الانقلاب بنصف ساعة، تآمر، وكذلك الشرطة، التيار المدني تآمر، بدليل الدعوة إلى المظاهرات والانتخابات المبكرة، شباب الثورة تآمروا، بدليل أن أحمد ماهر (شباب 6 إبريل) كان يعلم! لم نفشل، جرى إفشالنا. لم نسقُط، جرى إسقاطنا. لم ينزل المصريون، جرى إنزالهم، لم يمتلئ ميدان التحرير، إنما هي كاميرا خالد يوسف التي ملأته.
حاور الصحافي سليم عزوز الدكتور سيف عبدالفتاح، مستشار الرئيس محمد مرسي، وآخرين، كلهم من جماعة الإخوان، بعضهم من قياداتها. آخرون من الفريق الرئاسي، شهدوا بما رأوا، ونالهم ما نال غيرَهم من اغتيال معنوي، وصل إلى حد اتهامهم بالعمالة والخيانة والتآمر مع النظام وحلفائه، فضلا عن اتهاماتٍ أخلاقية. حصاد ست سنوات من الكذب، حفاظا على الصف الإخواني، وولائه، واشتراكاته، وما يمثله من استثمار سياسي بالنسبة لقيادات الخارج. فجأة، يتحطّم كل شيء على صخرة الشهادات، لا الرئيس كان رئيسا ولا التجربة كانت تجربة، ولا الديمقراطية كانت ديمقراطية، ولا أحد كان يعلم ماذا الذي يحدث أصلا؟ كانت الإدارة بالاجتهادات الشخصية، لا خطة، ولا رؤية ولا استراتيجية، ولا معرفة بالدولة المصرية. والتجربة الديمقراطية. كانت حبرا على ورق التصويت الانتخابي، فالرئيس أخبر مستشاريه أنه غير ملزم بآرائهم. هم يشيرون وهو يفعل ما يشاء. اقتراحات المختصين لا يتم الالتفات لها، وجودهم ديكوري، لا أحد من فريق الرئيس يعرف أي شيء عن أي شيء. محمود مكي، نائب الرئيس، حلف بالمصحف أن الرئيس لم يستشره في الإعلان الدستوري. محمد فؤاد جاد الله، المستشار القانوني، لم يعرف. من يعرف إذن؟ من أشار على الرئيس بالتصرف الأكثر عشوائية في عام حكمه، من طبخها؟ لا أحد يعرف.
يصرخ الإخواني في وجوه خصومه، حين يخبرونه أنه بلا قيمة، بلا رأي، بلا وزن، عسكري يفعل ما يؤمر. يدّعي الشباب أن هذا غير صحيح، وأن لهم قيمة ورأيا ووزنا. يخبرهم الشيخ عصام تليمة أنه لا قيمة للفرد على امتداد تاريخ الإخوان المسلمين، يخبرهم أن أفرادا أهم منهم بكثير رفضوا ترشح "الإخوان" ولم يُلتفت لهم. الشيخ يوسف القرضاوي رفض وحذّر. محمد البلتاجي رفض وحذّر. حمزة زوبع رفض وحذّر، وكتب ضد الترشح. رجب طيب أردوغان شخصيا، بكل ما يملكه من انحياز لهم ومن خبرة سياسية رفض وحذّر، ولم يلتفت أحد! القوى المدنية لم تتآمر بل دعمت وأيدت. لم ترفض التعاون، بل رفض "الإخوان" تعيين محمد البرادعي رئيسا للوزراء، ورفضوا عمرو موسى "لأنه بيشرب". صلاة النبي أحسن. شباب الثورة بدورهم لم يتآمروا، وائل غنيم، في عزه، قال إنه مع الرئيس، يدعمه ويؤيده ويتوسّم فيه حكما "جادا". "6 إبريل" دعمته في الإعادة، "فيرمونت" فرحوا بنجاحه، وحاولوا معه، وكل محاولاتهم ذهبت أدراج التنظيم. انسحاب المستشارين لم يكن رغما عن الرئيس، بل بموافقته، وبالتنسيق معه، ولم يكن قفزا من سفينة "الإخوان" بل إنقاذا لسفينة الوطن، ولم يكن اعتراضا على حكم "الإخوان"، بل اعتراضا على حكم عبد الفتاح السيسي بدلا من "الإخوان".
فشل الإخوان المسلمون، لأنهم فشلة، خدعهم السيسي، بأيديهم. تمكّن منهم بقرارتهم. انقلب عليهم بعلمهم، انقلابا بالتصوير البطيء. ليس أحمد ماهر الذي كان يعلم، بل المرشد كان يعلم، خيرت الشاطر كان يعلم، محمود عزت كان يعلم، محمد مرسي كان يعلم، الجميع أخبروهم. وصل الأمر إلى أن أحد الوزراء، وفق القيادي الإخواني رضا فهمي، أخبر الرئيس أمام وزيري الدفاع والداخلية ورئيس المخابرات أن هذه الأجهزة تبيعه ولا تعمل معه، ولم يفعل شيئا.
تكشف الشهادات عن الطبيعة السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين. وتكشف التعليقات عن الحقيقة الأخلاقية للتنظيم، ذلك هو التنظيم الذي كان يريد فرصةً كاملة ليحكم، كل هذا التشويه والاغتيال المعنوي (لأبنائه وحلفائه) لمجرد الاختلاف حول تقييم التجربة (بعد ست سنوات)، ماذا كان سيفعل بمعارضته لو تمكّن؟