سياسة مطاردة السحرة

سياسة مطاردة السحرة

27 ديسمبر 2015
+ الخط -
منذ قرون خلت، نُسبت الى "السحرة" مصائب شتى، ما جعل مجتمعات دول غربية آنذاك تشن حملات تمشيطية واسعة النطاق للقضاء عليهم. وقد أكدت الوقائع التاريخية أنهم ذاقوا مختلف أشكال التعذيب والترهيب، ولفـقت إليهم تهماً عديدة، وصلت إلى حد اتهامهم أنهم أصل المصائب والكوارث التي عرفتها بلدانهم. لذلك إذا شحت السماء بالماء، وأجدبت الأرض، أو أتلفت المحاصيل الزراعية، أو لم تدرّ الأبقار الحليب،‏ فإن السحرة هــم الملومون لا محالة.
بعد ذلك، أدرك المجتمع الغربي أنه جــانب الصواب في حق هذه الفئة، وأنه لم يحكم صوت العقل المبني على التحليل العلمي الملموس للواقع الملموس، فارتفعت الحناجر والأصوات المنددة بـاستمرار مطاردة السحرة بغير ذنب. وساهم التطورالطبي في كشف حقائق علمية عديدة برأتهم من تهم عديدة، فانخفضت تدريجيا حدة المطاردات.
نجد هــذه الصورة الدرامية تتكرر باستمرار، في مخـيال صناع القرار في البلدان العربية، فعوض البحث عن الأسباب الحقيقية للمـآسي التي تعاني منها شعوبهم، وتبني خطاب بنيوي يضع الأصبع على مكامن الخلل، ويربط المسؤولية بالمحاسبة، تجدهم يلجأون إلى تعليق انتكاساتهم وانكساراتهم على مشجب التماسيح والعفاريت وجيوب مقاومة التغيير والمؤامرات الخارجية، معتمدين فـي ذلك على خطاب ''الأحداث المعزولة'' الذي لم ينتج غير ردود الأفعال المعرضة، للتلاشي مع مرورالزمن.
ويجمع أغلب المفكرين العرب على أن العقلية الســـائدة لدى الفاعل /المسؤول العربي، تعود إلى النظام التعليمي المتأخر، وإلى المناخ العام الاستبدادي السائد في أغلب الأقطار العربية، هذا فضلاً عن الدور السلبي الذي تلعبه المؤسسات الإعلامية الرسمية الواقعة تحت سطوة الحكومات المحلية التي تسوق صورة نمطية.
خلاصة القول، يحتاج التغـير المنشود في الأوطان العربية إلى التخلي عن سياسة مطاردة "السحرة" التي لن تجدي نفعا، والقــــيام بنقد العــقل العربي ''المستقيل" من تحمل المسؤولية والإعتراف بالأخطاء وتسمية الأشياء بمسمياتها، فعقلية ''الواقعية التبريرية'' كلفـنا الكثير، في الماضي والحاضر. فهل يصلح الدهر ما أفسدته هذه الكائنات البشرية، أم أن الطبع غـلب التـطبع.
C889CE5C-4284-433F-9F64-4EAE58CA3FFC
C889CE5C-4284-433F-9F64-4EAE58CA3FFC
عبد الفتاح عزاوي (المغرب)
عبد الفتاح عزاوي (المغرب)