منظومة التعليم في المغرب

منظومة التعليم في المغرب

04 ديسمبر 2017
+ الخط -

فـــي سعيها إلى إفراغ منظومة التربية والتكوين (التأهيل) من محتواها وإحكام قبضتها على فاعلي المجتمع المدرسي الرئيسيين: الأستاذ والمتعلم، اللذين يشكلان الحلقة الأساس في القطاع، عمدت الدولة المغربية إلى ترويج خطابين متناقضين في وقت واحد.
الأول، خطاب الجودة الذي يقصد به التركيز على أساليب التعلم والتعليم الفعالة القادرة على تخريج أجيال من المتعلمات والمتعلمين، وإكسابهم المعارف والمهارات والسلوكات اللازمة، ما ينعكس إيجاباً على مخرجات منظومة التربية والتكوين (التأهيل) في شتى المجالات، فيحجز البلد مقعده مع الدول المتطورة، وهو خطابٌ صوريٌّ يتم تناوله من خلال مخططات الدولة وبرامجها، ويتم التطبيل والتزمير له في الإعلام الرسمي صباح مساء، غير أنه لا نجد له أثرا في واقع الممارسة الميدانية.
الثاني خطاب الهشاشة الذي يُراد به إضعاف المدرسة العمومية، وتدميرها تدريجيا، والعمل على تخريج وصناعة أجيال من الضباع، وهو خطاب مضمر، يسري كالسم في جسد المنظومة، ويفكّك بناها الداخلية بشكل رهيب، فهل سيحمل التعليم أفق التغيير نحو الأفضل أم سيحدث العكس؟
لسان حال مراقبين وفاعلين تربويين وشركاء كثيرين يقول أنه لا جديد في الأفق، ولا تغيير جذريا ينتظر من جميع الإصلاحات التي تقوم بها الدولة المغربية، بما فيها الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030 التي لم يتحقّق منها، لا المدى القريب ولا المتوسط، فبالأحرى تحقيق المدى البعيد المرتكز على جعل المدرسة المغربية مدرسة الجودة والإنصاف والارتقاء الفردي، فالضبابية في التخطيط لا زالت السائدة، بل حتى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أخذ موقع المتفرج من واقع منظومةٍ أضحت تتآكل يوما بعد يوم، وخضع للأمر الواقع، وساهم عمليا باحتواء نفسه، حين لم يقم بما يفرضه عليه الواجب الذي أسس من أجله، شأنه في ذلك شأن مثقفين عديدين، بلعوا ألسنتهم إلى يوم الدين.
في المقابل، أصبحت جاذبية ''مدرسة الهشاشة'' تتمظهر تجلياتها على أرض الواقع، فبعد الإجهاز على الحق في الشغل القارّ وتعويضه بالتعاقد، أصبح الفاعل الأساسي في المنظومة (امرأة ورجل التعليم) في وضعية غير مستقرة، بل تمت مصادرة حقه في التكوين (التأهيل) وتم الاقتصار على أيام تكوينية معزولة، في غياب تام لأي شكل من المواكبة الميدانية. كما أن عنصرا آخرا من عناصر العملية التعليمية (المتعلم) أصبح هو الآخر في وضعية هشاشة قاتلة، إذ أن معرفته المكتسبة خلال مساره الدراسي لا تعدو سوى ''محو أمية''. وبالتالي، يصبح غير قادر على حل المشكلات التي يصادفها في حياته اليومية. من دون أن ننسى أن مدرسة الهشاشة ساهمت بشكل خطير في تسميم العلاقة بين الثنائي الرئيس في العملية التعليمية: المدرس/ التلميذ، فطفحت إلى السطح جميع أشكال العنف المادية والجسدية، ولعل ما نطالعه يوميا من اعتداءات في الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي خير دليل على ذلك.
كان التعليم المغربي منذ فجر الاستقلال محط تجاذبات سياسية أوصلته إلى الحضيض، وأصبح إصلاحه رهين جدلية ''إصلاح الإصلاح'' التي يُراد منها تدمير المدرسة العمومية، ودفع الأسر إلى التوجه صوب المدارس الخصوصية، فالمدرسة العمومية اليوم أصبحت بناياتٍ متناثرة هنا وهناك، تفتقر مرافقها لأغلب التجهيزات والوسائل الديالكتيكية، وتعاني من ندرة كبيرة في الموارد البشرية، من أطر إدارية وتربويين ومتخصصين في الدعم النفسي والاجتماعي، ولا وجود لفضاءات الترفيه من مسرح ورسم وموسيقى، ويستفيد من خدماتها متعلمات ومتعلمين ضحايا مناهج ومقرّرات فاقدة للقيم الكفيلة بتكوينهم وصقل مواهبهم وجعلهم مواطنات ومواطنين يساهمون في تنمية البلاد والعباد.
C889CE5C-4284-433F-9F64-4EAE58CA3FFC
C889CE5C-4284-433F-9F64-4EAE58CA3FFC
عبد الفتاح عزاوي (المغرب)
عبد الفتاح عزاوي (المغرب)