سفاسف الأمور

سفاسف الأمور

26 ديسمبر 2014

قلت لصديقي: الناس مليئون بالعيوب والمشاكل

+ الخط -
ـ صديقي المثقف المهموم بالشأن العام، شعر بالإحباط الشديد، لأن الفيديو الجاد الذي وضعه على موقع "اليوتيوب" لم يحظ بأكثر من ثلاثمائة مشاهد، رغم أن كل أصدقائه من المهمومين حاولوا تنبيه الناس لأهمية مشاهدته، حاولت أن أكون صادقاً معه، فقلت له إن الناس في بلادنا مليئون بالعيوب والمشاكل، لكن العيب، هذه المرة، لم يكن في الناس، بل كان فيه هو، لأنك لا يمكن أن تجذب الناس إلى مشاهدة فيديو على اليوتيوب، بأن تختار له عنواناً غاية في الجدية والرصانة، حتى لو كان معبراً عن موضوعه، وأنه كان ينبغي عليه أن يكون عملياً، فيختار للفيديو عنواناً جاذباً يدفع الآلاف لمشاهدته والاستفادة مما فيه، قال لي: هل في بالك عنوان معين؟ قلت له: طبعاً، عليك أن تسميه فضيحة ظهور "سوتيان" مذيعة أخبار على الهواء مباشرة، وأنا أضمن لك نصف مليون مشاهد، في يومين على الأقل، ويمكن أن تزيد العدد إلى مليون، لو استبدلت السوتيان بما وراء السوتيان. صحيح أن غالبيتهم العظمى لن تشاهد حرفاً مما قاله، وستنهال عليه سباً ولعناً، برغم اكتشاف الأمر، لكن الأمر لن يعدم فضوليين قد يشاهدون الفيديو حتى نهايته، أملاً في مفاجأة تحقق توقعاتهم، وربما استفاد أحد هؤلاء بما قاله، ولأن يستفيد بك مواطن واحد هو خير لك من حُمُر النّعم. للأسف، لم أفهم لماذا غضب صديقي مني بشدة، مع أني كنت أرغب في خدمة مضمونه الجاد ليس إلا، وعلى من لا يصدق أن نصيحتي مضمونة المفعول، أن يجرب العنوان بنفسه، ليعرف كيف يمكن أن يرفع "السوتيان" من قدر المضمون الجاد.
ـ أصبح معلوماً من الواقع بالضرورة أن درجة تقدم الأوطان تتناسب عكسياً مع انتشار الأغاني الوطنية فيها، وفي الوقت الذي تزيط الفضائيات بأشياء مريبة تنتحل صفة الأغاني، وتزيف منطق الوطنية، وتنشر الموالسة والكراهية. لا يتذكر أحد أن أصدق أغنية وطنية تعبر عن تاريخ مصر وواقعها، هي التي غناها المطرب الشعبي، حسن الأسمر، "كتاب حياتي يا عين ما شفت زيه كتاب، الفرح فيه سطرين والباقي كله عذاب".
ـ كان صديقي يلوح بالصحيفة غاضباً، وهو يحدثني عن تلك الفتوى التي "نتعها" أحد المشايخ، قائلاً فيها إن تعري الزوجين لبعضهما يبطل الزواج، لم أركز كثيراً مع صديقي الذي تحدث عن خطورة مثل تلك الفتاوى التي تشوه سماحة الإسلام، فقد كنت مشغولاً بالتفكير في مدى بشاعة الجسد الذي دفع ذلك المفتي لإصدار فتواه.
ـ كلما تلقيت رسائل غاضبة تتهمني بتجاوز كل الحدود، وتخطي كل الأسقف والإساءة إلى مشاعر القراء، أفرح، لأن ذلك يعني أنني اكتسبت قراء جدداً لم يسبق لهم القراءة لي من زمان.
ـ أكبر دليل على حتمية وجود معنى للحياة، أن كل الذين يطرحون أسئلة تتشكك في معنى الحياة ينسون جميع أسئلتهم، في لحظات الجنس.
ـ طبعاً طبعاً، في النهاية لا يصح إلا الصحيح، المشكلة أنك دائماً تموت، قبل أن تصل إلى تيترات النهاية.
ـ مهما كان تقديرك ذاتك منخفضاً، وحكمك على إنجازك في الحياة قاسياً، سيتغير ذلك على الفور، وستحمد الله على ما أنت فيه، بعد أن تشاهد إنساناً من نبت هذه الأرض العربية، يقف في تمام الإسبهلال، وعيناه تغرورقان بالدموع، وجسده يرتعش من فرط التأثر، وهو يقول للمطرب اللبناني، وائل كفوري، بصوت متهدج "أنا كان حلم حياتي إني أشوفك والحمد لله حققته".
ـ تريدني أن أعطيك فكرة عن الحياة؟ طيب، هل تريد كلاماً معقداً أم كلاماً بسيطاً؟ تريد كلاماً بسيطاً جداً، بسيطاً إلى حد الإسفاف؟ أعلى بقليل من مستوى الإسفاف، طيب سأحاول ولكن لا تنس أنك الآن تقرأ سفاسف الأمور. خذ عندك فكرتي عن الحياة: التبول اللا إرادي مضحك عندما تسمع عنه، لن يكون كذلك أبداً عندما تصاب به، هذه هي الحياة يا صديقي. 
- عليك أن تتذكر أن المثل القائل "لا تضع البيض في سلة واحدة" ظهر قبل اختراع الإنسان الكرتونة التي يمكن أن تتحمل كل ما لديك من بيض.
ـ على مدى السنين الماضية، انشغل كثير من مشايخ السلفيين في مهاجمة الديمقراطية، وتصويرها على أنها ستتسبب في كارثة أخلاقية، وستقوم بجلب تقليد حفلات الجنس الجماعي إلى مصر، ولو أنهم سألوا واستقصوا، ولا أقول جربوا، لأدركوا أنه لا مستقبل للجنس الجماعي في بلد لا يؤمن أبناؤها بإنكار الذات والعمل بروح الفريق.

دلالات

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.