سعيدة فكري: مسار فني أصيل ممزوج بجرح الوطن

سعيدة فكري: مسار فني أصيل ممزوج بجرح الوطن

10 اغسطس 2020
رغم الهجرة، بقي حبّ فكري الدائم للمغرب بارزاً وقوياً ومتأججاً (فيسبوك)
+ الخط -

تنتمي الفنانة والمغنية المغربيّة سعيدة فكري (1971) التي حصلت قبل أيام قليلة على "الوسام الذهبي" من المرصد الأفريقي للسلم والسلام، إلى جيل لم يكُن يؤمن بالتطبيل للمؤسسات الفنية. كما أنّها لم تعمل على جعل أغانيها في خدمة الترفيه والتسطيح والتصفيق المجاني، بل شكَّلت أغنية الراي المُلتزمة لدى فكري أفقاً سياسياً وفنياً وجمالياً، جعلها الصوت النسائي المغربيّ الأبرز داخل هذا اللون الغنائي، ممن حافظن على أصالتهن الفنية ومواقفهن السياسية تجاه الفنّ المُلتزم، وقدرته على تهديم النشاز داخل فنّ الراي بالمنطقة المغاربيّة.

لا يُمكن أنْ يستقيم الحديث عن هذا الفنّ بمنأى عن سعيدة فكري، بوصفها علامة بارزة مؤسسة لفنّ الراي في شكله الجديد، منذ سنة 1994 تاريخ صدور أول أسطوانة لها "كية الغايب"، وتلتها أغانٍ كثيرة ما تزال تُسمع إلى حدود اليوم، بكثير من الشغف والإعجاب. خاصة أنّ الجيل الجديد لم يعُد يرى في موسيقى الراي ما يستحق المُتابعة والاستماع، نظراً للتدني الفني الذي طبع هذا اللون الغنائي، الأمر الذي جعل المُستمع المغربي يضطر إلى العودة إلى الماضي التليد لموسيقى الراي مع كل من سعيدة فكري والشاب مامي وخالد وحسني ونصرو وسواهم من الفنانين، الذين ما تزال تحتفظ الذاكرة الغنائية المغاربية بأعمالهم. 

وبمجرد صدور الأغنية الجديدة "حكاية المراية" (2020) لسعيدة فكري، من تأليف المغربي مراد حلول (الحر)، حتى سارع المغاربة لتلقفها من بعض المواقع والمنصّات الموسيقية، إذْ تجاوز عدد مُشاهديها مليوني مُشاهد، وهو ما يُفسر تعطش المغاربة إلى أغاني سعيدة فكري، والتي ظلّت لسنوات طويلة غائبة عن الساحة المغربيّة ومهرجاناتها الرسمية. ومع ذلك ظلّت المرأة تتصدر أعلى مُشاهدة، كلّما صدرت أغنية جديدة لها، فهي حاضرة في الوجدان الموسيقي والذاكرة الجماعية المغربيّة، بسبب التزام أغنيتها ودفاعها عن حقوق الإنسان والشباب المغاربي الذي غادر الوطن باكراً، بحثاً عن كسرة خبز في مستنقعات باردة وسراديب مُظلمة لمُستقبل مُبهم.

سينما ودراما
التحديثات الحية

بدأت صاحبة أغنية "يا جبال الريف" مسيرتها الفعلية منذ مغادرتها المغرب صوب أميركا، هناك صنعت فكري مشروعها الغنائي الذي لم ينغمس في التيارات الغنائية والموسيقية هناك، كما هو شأن عدد من الفنانين العرب الذين بمجرد سفرهم نحو الغرب يتخلّوْن عن مواقفهم وأساليبهم الغنائية. غير أنّ فكري استفادت من هذا الغرب كثيراً على مستوى التعليم والتعلّم والانفتاح على إيقاعات وأهازيج عالمية مختلفة وأساليب فنية مغايرة لموسيقى الراي داخل المغرب وخارجه. وعملت على تطويع كل هذه الأساليب الموسيقية داخل قالب فني واحد، يأخذ كلماته من الحياة السياسية والاجتماعية المغربيّة خلال مغرب التسعينيات. 

وبالرغم من مرارة الهجرة والغربة التي ظلّت تهمس بها أغاني سعيدة فكري، بقي حبها الدائم للمنطقة المغاربية بارزاً وقوياً ومتأججاً، إذْ إنّ جميع أغانيها منذ التسعينيات انطلقت من قاع المجتمع المغاربي الذي شهد إبان التسعينيات موجة هيستيرية من موسيقى الراي، بسبب الزخم الفني الذي تُتيحه هذه الموسيقى لمُمارسة نقدٍ مُضمر لأشكال السُلطات الديكتاتورية القمعية والرمزية، حتى بدت موسيقى الراي وكأنها التعبير الخفيّ والصادق للمجتمعات المغاربية خلال التسعينيات، بسبب ضراوة المرحلة اجتماعياً.

تُشكّل أغاني سعيد فكري اليوم داخل الجو الفني المغربي شهادة حقيقية عن جيل ظلّ يحن إلى الحرية ويترجم عنف الواقع السياسي والاجتماعي الذي انتمى إليه في مغرب التسعينيات، والذي عملت من خلاله فكري على استحضار هذا المكبوت السياسي والاجتماعي بكل تجاربه وأحزانه ومآسيه، في بنية هي أشبه بسردية حب وانتماء لمغرب منسيّ.

دلالات

المساهمون