شهدت الساعات الأخيرة عدة اتصالات بين وزارات خارجية كل من مصر والسودان والولايات المتحدة وجنوب أفريقيا ومفوضية الاتحاد الأفريقي، لمتابعة مستجدات قضية سد النهضة، بعد تعليق جلسات جولة المفاوضات الحالية لاعتراض القاهرة والخرطوم على رغبة إثيوبيا في تفريغ المفاوضات من هدفها.
وتصر إثيوبيا على اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق أوسع لإعادة محاصصة مياه النيل الأزرق والدخول في مشروعات تنموية مشتركة تزعم أنها ستعود بالفائدة على جميع الأطراف.
وأجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالا بنظيره الأميركي مايك بومبيو استعرض خلاله مستجدات المفاوضات التي تتابعها واشنطن بصفة مراقب، فضلا عن التباحث حول قضايا أخرى كالوضع في ليبيا والقضية الفلسطينية.
وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة إن الخارجية المصرية تواصلت مع نظيرتها الجنوب أفريقية لمتابعة موقف الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا إزاء تعثر المفاوضات الحالية باعتباره رئيساً للاتحاد الأفريقي، وذلك بعدما تلقى خطابين من مصر والسودان برفض التعنت الإثيوبي والمطالبة بتدخل الاتحاد الأفريقي بصورة إيجابية في المفاوضات.
كما دارت اتصالات أخرى بين الوفود الفنية والقانونية بمصر والسودان للتباحث حول مذكرات الإيضاح التي أرسلتها إثيوبيا إلى الدولتين أمس الأول، حيث من المرجح حالياً إصدار بيان فني وقانوني مشترك خلال أيام كنوع من الضغط على أديس أبابا.
وتسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة "عادلة" -على حد زعمها- تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضاً حال البدء في ملء السد النهضة وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشح المائي.
وسبق وقال مصدر سياسي إثيوبي مطلع لـ"العربي الجديد" إن موقف بلاده لم يتغير عما كان عليه منذ شهرين، ولكن ما تغير فقط هو عنصر الملء الأول الذي "جعل حكومته في حل من توسل الموافقة من دولتي المصب" على حد تعبيره.
وأكد المصدر الإثيوبي أن رئيس الوزراء أبي أحمد أبلغ عدداً من قيادات حزبه ووزرائه خلال اجتماع الأسبوع الماضي لعرض الموقف التفاوضي بأن أي اتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة "استرشادي فقط وليس ملزماً" طالما استمرت مصر والسودان في تمسكهما باتفاق المحاصصة الموقع عام 1959 باعتبار أنه من المستحيل الوفاء بذلك التقسيم المائي في حالة الأخذ بأي مصفوفة من أي طرف تتعلق بتتظيم تدفق المياه من السد.
وحتى الآن، تستفيد مصر من فوائض الحصص أو بواقي الفيضان ورغم أهميتها، فإن إثيوبيا والسودان تبالغان في تقدير كميتها وتعتبران أن مصر تستفيد منها بشكل كبير، وكانا يقولان خلال مفاوضات واشنطن إن مصر يصلها حالياً أكثر من 80 مليار متر مكعب، أي بأكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان بواقع 30 مليار متر مكعب.
وتجادل إثيوبيا بأن ملء بحيرة سد النهضة سيخفض الحصة المصرية (الفعلية) إلى رقم يتراوح بين 52 و55 مليار متر مكعب، شاملة بواقي الفيضان، مقابل ارتفاع نصيب الخرطوم الفعلي) إلى ما يتراوح بين 18 و20 مليار متر مكعب، بدلاً من 8 مليارات كان منصوصا عليها في اتفاقية 1959.
وترفض السودان ومصر تلك الحسابات وذلك الاتجاه الإثيوبي، خاصة الخرطوم التي صرح مسؤولوها أكثر من مرة بعد فشل المفاوضات الفنية الأخيرة بأن الاتفاق المنشود لا يجوز أن يمتد لإعادة المحاصصة، كما أشارت إلى ذلك -ضمنيا- في خطابها إلى مجلس الأمن.
أما مصر، فرغم أنها ستكون المتضرر الأكبر من إعادة المحاصصة، وهي أيضا الهدف الأول من التصعيد الإثيوبي في هذا الاتجاه، فيبدو أنها ستستخدم الطلب الإثيوبي كوسيلة لفتح حديث أوسع عن الموارد المائية المتاحة لدى كل بلد، لإثبات أنها الطرف الأضعف في المعادلة والأكثر تضرراً على الدوام، وليس الجانب الإثيوبي الذي يروج على نطاق واسع لرواية مفادها أن مصر هي الطرف الأكثر استفادة من النيل وأنها تحرم إثيوبيا من الاستفادة من مواردها الطبيعية، وترغب في استمرار حرمانها.