زينة دكاش.. العلاج بالدراما يعيد الأمل للسجناء

زينة دكاش.. العلاج بالدراما يعيد الأمل للسجناء

02 يونيو 2015
(حسين بيضون)
+ الخط -

- بداية، ما هو العلاج بالدراما؟ وهل الفن قادر على التغيير؟
العلاج بالدراما هو نوع من علاج نفسي من خلال المسرح. هو الاستخدام المتعمّد لأساليب الدراما أو المسرح، لتحقيق أهداف علاجية. يجمع هذا النوع من العلاج بين الأهداف والتقنيات التي تقوم عليها الدراما/المسرح من جهة، وبين العلاج النفسي من جهة أخرى. وهو يتميّز بالنشاطات والتمارين التجريبية والعملية التي تُمكّن الفرد أو أفراد المجموعة المشاركة فيها، من البوح بقصصهم الشخصية وتحديد أهدافهم وحلّ مشاكلهم والتعبير عن مشاعرهم أو تحقيق "الكثارسيس" (التطهير).
يستخدم العلاج بالدراما الألعاب والرواية ولعب الأدوار والعرض المسرحي وغيرها من الفنون الإبداعية، لخلق سلوكيات ومعانٍ وخيارات جديدة للمشاركين. من خلاله يُمكن تغيير السلوك وبناء المهارات وتحقيق التكامل العاطفي-الجسدي والنمو الشخصي.

- كيف انطلقت فكرة العلاج بالدراما في سجن رومية؟
في عام 2005، اكتشفت أن ما كنت أقوم به منذ 2001 في جمعية "أم النور" لمعالجة المدمنين، كان شبيهاً بالعلاج بالدراما. وقررت أن أطوّر معرفتي، فذهبت إلى الولايات المتحدة في عام 2006 لأدرس هذا الاختصاص. وعدت إلى لبنان وأسست مركز "كثارسيس" في عام 2007. أعتقد أن هذا المركز هو الوحيد من نوعه في لبنان والعالم العربي أيضاً. "12 لبناني غاضب" كان أول مشروع مسرحي في داخل سجن رومية للرجال، وقد حصد جوائز عالمية عدة. أما "شهرزاد ببعبدا"، فقد أخرجتها في عام 2012 في سجن بعبدا للنساء. وقد أدّتها السجينات في 12 عرضاً في داخل السجن و12 آخر في بيروت.

- هل هذا يعني أنك الأولى في اعتماد هذه الطريقة في لبنان؟ وما هي الصعوبات التي واجهتك؟
على حد علمي، أنا الأولى في اتباع هذا الأسلوب في العالم العربي. نحن عانينا من معوّقات مادية، لا سيما عدم توفر مكان مخصص لأداء عملنا. كنا نتدرب على الأدوار ونعقد الاجتماعات في غرفة صغيرة غير مرتبة لا تتسع إلا لبضعة أشخاص. فواجهنا هناك صعوبات لوجستية. إلى ذلك، عانيت من مشكلة وصعوبة تقبل السجين للآخر. كل واحد منهم يريد التحدث عن مشكلته من دون الاكتراث إلى مشاكل الآخرين.

- هل يستهدف هذا العلاج فئات محددة؟
العلاج بالدراما يتوجه إلى كل فئات المجتمع. كل إنسان بحاجة إلى التعبير عن نفسه. نحن نهتم بمدمني المخدرات ونساهم في عملية إعادة تأهيلهم، ونهتم أيضاً باللاجئات والمدرسين والاختصاصيين الاجتماعيين. كذلك يحتاج موظفو الشركة إلى التعبير عن أنفسهم والتعامل مع الإجهاد. ونحن نعمل أيضاً مع الأفراد في عيادة خاصة لدينا.
أما في ما يتعلق بالسجناء، فالأمر يختلف بعض الشيء. ووضع المرأة يختلف عن وضع الرجل. الجريمة الأكثر شيوعاً لدى النساء، كانت قتل أزواجهن الذين يعنّفونهن. وفي لبنان، ما من قانون يحمي المرأة من العنف المنزلي. إلى ذلك، ثمة نقاط مشتركة ما بين الجنسين، مثل عقوبة السجن المؤبد. تجدر الإشارة إلى أن عقوبة السجن المؤبد في لبنان تمتد إلى حين وفاة المسجون، بينما تحدّد في البلاد المتطورة بمدة أقلها 25 سنة وأكثرها 35.

- ما هي أبرز آثار التغيير على نفوس السجناء؟
مزيد من المسؤولية، ومعرفة كل واحد بأن لديه قوة وبأنه قادر على رسم صورة جديدة لمستقبل أفضل مما عاشه في السجن أو ما زال يعيشه. والأهم من ذلك هو أن تشعر السجينة بأنوثتها، وبأن لها الحق في تكوين أسرة وحياة مستقرة، وبإمكانها تحمل مسؤولية جيل جديد وتربيته.
على صعيد آخر، راح سجناء كثر يتلقون عروض عمل بعد الإفراج عنهم، من قبل أشخاص كانوا قد شاهدوا العمل الفني في السجن. وهو ما أتاح أمامهم فرصاً عديدة ساعدتهم في بدء مرحلة جديدة في الخارج. وهذا يعني إعادة بناء ثقة كبيرة مع العالم الخارجي وكذلك مع أنفسهم.

- كيف كان رد فعل السجناء بعد انتهاء العمل؟
أهم إنجاز بالنسبة إلى السجناء هو تحقيق شيء حقيقي لمرة واحدة في حياتهم، والشعور بالفرح عند الاستماع الى قصصهم وحكاياتهم. وهم أيضاً تعلموا الانضباط وتقبّل الآخر.

اقرأ أيضاً: سيدات قاصرات.. زواجهنّ ليس لعبة والدار الآمن ملجأ لهنّ

- ما هو تأثير العروض المسرحية أو الأفلام على القرارات القانونية؟
ساعد "12 لبناني غاضب" في تنفيذ القانون 463 الذي يقضي بالإفراج المبكر، فأطلق بالفعل سراح عشرة أشخاص في عام 2009. ونحن نأمل الشيء نفسه مع "يوميات شهرزاد". وتضاف إلى جهدنا، الجهود المبذولة من قبل منظمات نسوية غير حكومية لحماية المرأة من العنف المنزلي. إلى ذلك، ساعدت جلسات العلاج بالدراما السجناء في التأقلم مع ظروفهم داخل السجن وكيفية التعبير والتعامل مع السجان. تجدر الإشارة إلى أن العلاقة ما بين إدارة السجن والسجناء تغيرت إيجاباً.
من جهة أخرى، ساعد ذلك على نشر الوعي لدى الجمهور الذي بات يتفهم وضع السجين ولا ينظر إليه نظرة تهميش واشمئزاز كما في السابق.

- انطلاقاً من تجربتك مع السجناء، تأسس مركز "كثارسيس". ما هو تحديداً؟
"كثارسيس" كلمة يونانية تعني "التطهير" أو "التنقية"، وهنا تطهير العواطف أو تنقيتها من خلال الفن. هو أول مركز للعلاج بالدراما في لبنان والمنطقة العربية. هو مؤسسة مدنية لا تتوخى الربح، مسجلة لدى الجمعية الوطنية للعلاج بالدراما في الولايات المتحدة.
نحن نتطلّع إلى مجتمع متناغم مع بعضه بعضاً، يتشارك قيم التعاطف. نتطلّع إلى رؤية أفراد يكتسبون أساليب عيش صحية جديدة ويكشفون عن ميزاتهم المخبأة ويتبنون رؤية جديدة لخياراتهم، من خلال النشاط الفني العلاجي. لذا يعمل المركز على تعزيز العلاج بالدراما وتوفيره للأفراد والمجموعات من خلال استخدام المسرح والفنون. وهو يقدّم خدماته وبرامجه في الأطر الاجتماعية والتعليميّة والعلاجية المختلفة كمراكز إعادة تأهيل مدمني المخدرات، ومراكز العناية بالصحة العقلية والنفسية والمستشفيات والسجون والعيادات الخاصة بالأطفال والراشدين والمدارس والمسارح والشركات.
وفي سياق العمل مع الشركات، يقدّم "كثارسيس" مجموعة متنوّعة من البرامج، ومنها بناء فريق العمل ومعالجة الإجهاد وتعزيز التواصل. كذلك، يعمل مع الأفراد الراغبين في تخطي مشكلات خاصة وتحسين نوعية حياتهم.

- ما هي أبرز اللحظات التي أثّرت بزينة دكاش في العمل مع السجناء؟
من الصعب تلخيص الإجابة. هذه التجربة كانت غنية جداً. عملت فيها مع السجناء وأكلت معهم وعشت معهم السجن، وقد وصلت إلى مرحلة شعرت فيها بأن هؤلاء عائلتي. إلى ذلك، لا نجد في لبنان مؤسسة تعنى بالسجناء السابقين، لذلك نعمل في "كثارسيس" على تقديم الدعم الذي يحتاجونه بالتعاون مع مؤسسات مدنية أخرى. فنبحث لهم عن عمل وعن مسكن مثلاً. ونحن نتابع السجناء بعد انتهاء العروض المسرحية، من خلال دورات جديدة لسجناء آخرين. ويبقى المشاركون في المشاريع الأولى معنا، ليقدّموا بدورهم الدعم والمساعدة للسجناء الجدد. واليوم نقوم بجولة مع مسرحية "شهرزاد ببعبدا" في المدارس والجامعات مع السجينات السابقات، بهدف إيصال رسالة توعية للشباب.

- ما الذي تعلمته من تجربتك مع السجناء؟
تعلّمت معنى الحياة أكثر وأكثر، وفهمت ما هي مشاكلنا أكثر. كذلك تعلمت الصبر إلى آخر الحدود. وهم على حد قولهم، اكتشفوا من خلال العلاج بالدراما أشياء كثيرة في داخلهم، من قبيل أسباب ارتكابهم جرائمهم وكيف يستمرون وكيف يتغيرون. والأهم أنهم تعلموا العمل الجماعي الذي لم يعرفوه من قبل.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟
ما زلت أعمل في سجن بعبدا منذ عام 2011 وسجن رومية منذ عام 2008، وكذلك في مراكز إعادة التأهيل. طموحي هو تحقيق رسالة المركز، لبناء القدرات المحترفة في مجال العلاج بالدراما. ومن هنا يأتي إصراري على إدخال اختصاص العلاج بالدراما إلى العالم العربي انطلاقاً من بيروت. فبعد اعتماد هذا الاختصاص في جامعات لبنان، يمكن لمن يريد من العالم العربي التخصص به ومن ثم تطبيقه في بلدانهم.

اقرأ أيضاً: سيدات لبنان يصرخن: للصبر حدود

المساهمون