زيارة ورمزيات ومواقف جديدة

زيارة ورمزيات ومواقف جديدة

20 مايو 2015

كيري ولافروف في سوتشي (12مايو/2015/Getty)

+ الخط -
ما أن حط وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قدميه في سوتشي، المنتجع الروسي البديع على ضفة البحر الأسود، وذهب، وحده، إلى قبر الجندي المجهول، ليضع إكليلاً من الزهور، عرفاناً بفضل ضحايا الحرب العالمية الثانية؛ حتى تتابعت لقطاتٌ رمزية تحكي قصة التاريخ والواقع الدولي الراهن، ونزاعاته وقضاياه، ومواقف الطرفين، الأميركي والروسي، منها. 
عند قبر الجندي المجهول، فوجئ كيري بوصول نظيره الروسي، سيرغي لافروف، مستقلاً سيارة استثنائية ناصعة البياض، ترمز إلى قدرة روسيا على النهوض من بين كل ركام، وتجاوز كل ضائقة. كانت من نوع "بوبيدا"، أي النصر، والتي أنتجها الروس، بعد أن وضعت الحرب أوزارها في 1945. التقط كيري المغزى، ولكي لا يتذكّر أن بلاده، مع أوروبا، لا زالت تفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، رفع الرجل رأسه قائلاً: "الجو رائع هنا، البحر والخُضرة والنسيم العليل".
أما لافروف، فقد سجل، على الفور، لقطته الرمزية الثانية، عندما قدم لكيري قميصاً رياضياً، يحمل شارة نصر الحلفاء التي جمعت كل الأطراف، في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، مرفقة بسلّة أنيقة، فيها حبات من نوعين مستحدثين من البطاطا والبندورة، أنتجتهما روسيا أخيراً. كأنما أربكت السلة جون كيري الذي لم يلتقط مغزاها، فقال: "إنها هدية غير ذات معنى خاص". ربما نسي أن تلك كانت سلة جوابية، على هدية مماثلة، أهداها كيري في يناير/كانون الثاني 2014، احتوت على حبات بطاطا، مستحدثة، أنتجتها ولاية أوهايو الأميركية.
ويقول محللون إن الإشارات التي تلقاها الأميركيون، الدالة على استحالة عزل روسيا دولياً، بلغت ذروتها في الاستعراض العسكري الروسي، في الميدان الأحمر، في ذكرى يوم النصر، فقد جلس الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى جانب الرئيس بوتين. وأفادت إشارات قبلها بأن محاولات الأميركيين عزل روسيا ساعدت على تقوية علاقات التعاون والتساند بين دول "البريكس"، روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وأجرى الروس مناورات بحرية مشتركة مع الصينيين. وقيل كل شيء من "البريكس"، إن الأمم الناهضة والاقتصادات الناشئة لن تدع أميركا ترسم وحدها الخارطة السياسية للعالم. وفضلاً عن هذا الهاجس الذي يشغل ذهن كيري، فإن هاجساً آخر لم يفارق خواطره، وهو تسوية قضية الملف النووي الإيراني واقتراب موعدها. وعند الأميركيين، يرتبط هذا الملف بأزمات العراق وسورية واليمن. أما فلسطين، فليست في حسبانهم الآن، لأن مساحة التوافق الروسية الأميركية الوحيدة تتعلق بإسرائيل التي يحتفظ الطرفان بعلاقات متطورة معها، وإن اختلفت مستوياتها وتعبيراتها!
ولأن الولايات المتحدة صاحبة مقاصد من الأهمية بمكان، في القارة الآسيوية؛ فقد استفاقت على فكرة إرضاء روسيا، تحاشياً لأن تذهب مع الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، لإحباط مسعاها في القارة. لهذا السبب، أجزل كيري الوعود للروس، واشتغل على نقاط حساسيتهم، فأطلق من سوتشي الروسية سهماً أصاب الرئيس الأوكراني المناوئ للروس، بيترو بورويشنكو، وهو على شكل تحذير قوي من "مغبة تنفيذ تهديده، بالاستيلاء على مطار دونيستك الذي استولى عليه المعارضون الموالون لروسيا. وتزامن إطلاق السهم مع إيفاد كيري مساعدته فيكتوريا نولاند إلى كييف، لتبلغ القيادة الأوكرانية بالتحذير، وأن تحثها على الالتزام باتفاقية "مينسك 2" التي لا تأتي على ذكر شبه جزيرة القرم، وأن تقوم هذه القيادة بخطوات جدية، لتعزيز ثقة الشعب الأوكراني بها، من خلال حرب على الفساد والشروع في إصلاحات اقتصادية.
من بين ما يُفهم، من زيارة كيري روسيا، ويتعلق بالموقف الإسرائيلي؛ تصريح كيري في سوتشي، حول الاعتراف بـ"حق روسيا في تزويد إيران بصواريخ إس 300، فهذا لا يتعارض مع القانون الدولي". لكنه أردف، وهو يعرف ما يعنيه: "ولكن، ليس هذا هو الوقت المناسب"، فهو ينتظر أن تتشابك واشنطن وطهران بمصالح وخطط تفصيلية واتفاقات، لكي يصبح خطر مثل هذه الصواريخ غير وارد بالنسبة لإسرائيل.